فكيف حال من لا يعلم، واعلم أن هذه الواقعة بعينها قد وقعت في أمة محمد صلى الله عليه وسلم فإن كل طائفة تكفر الأخرى مع اتفاقهم على تلاوة القرآن، ثم اختلفوا فيمن هم الذين لا يعلمون على وجوه. أولها: أنهم كفار العرب الذين قالوا: إن المسلمين ليسوا على شيء فبين تعالى أنه إذا كان قول اليهود والنصارى وهم يقرأون الكتب لا ينبغي أن يقبل ويلتفت إليه فقول كفار العرب أولى أن لا يلتفت إليه. وثانيها: أنه إذا حملنا قوله: * (وقالت اليهود ليست النصارى على شيء) * على الذين كانوا حاضرين في زمان محمد صلى الله عليه وسلم، حملنا قوله: * (كذلك قال الذين لا يعلمون) * على المعاندين وعكسه أيضا محتمل. وثالثها: أن يحمل قوله: * (وقالت اليهود ليست النصارى على شيء) * على علمائهم ويحمل قوله: * (كذلك قال الذين لا يعلمون) * على عوامهم فصلا بين خواصهم وعوامهم، والأول أقرب: لأن كل اليهود والنصارى دخلوا في الآية فمن ميز عنهم بقوله: * (كذلك قال الذين لا يعلمون) * يجب أن يكون غيرهم.
أما قوله تعالى: * (فالله يحكم بينهم) * ففيه أربعة أوجه. أحدها: قال الحسن: يكذبهم جميعا ويدخلهم النار. وثانيها؛ حكم الانتصاف من الظالم المكذب للمظلوم المكذب. وثالثها: يريهم من يدخل الجنة عيانا ومن يدخل النار عيانا، وهو قول الزجاج. ورابعها: يحكم بين المحق والمبطل فيما اختلفوا فيه والله أعلم.
* (ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى فى خرابهآ أولئك ما كان لهم أن يدخلوهآ إلا خآئفين لهم فى الدنيا خزى ولهم فى الاخرة عذاب عظيم) * اعلم أن في هذه الآية مسائل:
المسألة الأولى: أجمع المفسرون على أنه ليس المراد من هذه الآية مجرد بيان الشرط والجزاء، أعني مجرد بيان أن من فعل كذا فإن الله يفعل به كذا بل المراد منه بيان أن منهم من منع عمارة المساجد وسعى في خرابها، ثم أن الله تعالى جازاهم بما ذكر في الآية إلا أنهم اختلفوا في أن الذين منعوا من عمارة المسجد وسعوا في خرابه من هم؟ وذكروا فيه أربعة أوجه. أولها: قال ابن عباس: