ظاهرا وباطنا ولا يصح ذلك في الأئمة والقضاة، قلنا: أما الشيعة فيستدلون بهذه الآية على صحة قولهم في وجوب العصمة ظاهرا وباطنا، وأما نحن فنقول: مقتضى الآية ذلك، إلا أنا تركنا اعتبار الباطن فتبقى العدالة الظاهرة معتبرة، فإن قيل: أليس أن يونس عليه السلام قال: * (سبحانك إني كنت من الظالمين) * (الأنبياء: 87) وقال آدم: * (ربنا ظلمنا أنفسنا) * (الأعراف: 23) قلنا: المذكور في الآية هو الظلم المطلق، وهذا غير موجود في آدم ويونس عليهما السلام. الوجه الثاني: أن العهد قد يستعمل في كتاب الله بمعنى الأمر، قال الله تعالى: * (ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان) * (يس: 60) يعني ألم آمركم بهذا، وقال الله تعالى: * (قالوا إن الله عهد إلينا) * (آل عمران: 183) يعني أمرنا، ومنه عهود الخلفاء إلى أمرائهم وقضاتهم إذا ثبت أن عهد الله هو أمره فنقول: لا يخلو قوله؛ * (لا ينال عهدي الظالمين) * من أن يريد أن الظالمين غير مأمورين، وأن الظالمين لا يجوز أن يكونوا بمحل من يقبل منهم أوامر الله تعالى، ولما بطل الوجه الأول لاتفاق المسلمين على أن أوامر الله تعالى لازمة للظالمين كلزومها لغيرهم ثبت الوجه الآخر، وهو أنهم غير مؤتمنين على أوامر الله تعالى وغير مقتدى بهم فيها فلا يكونون أئمة في الدين، فثبت بدلالة الآية بطلان إمامة الفاسق، قال عليه السلام: " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق "، ودل أيضا على أن الفاسق لا يكون حاكما، وأن أحكامه لا تنفذ إذا ولي الحكم، وكذلك لا تقبل شهادته ولا خبره عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا فتياه إذا أفتى، ولا يقدم للصلاة وإن كان هو بحيث لو اقتدي به فإنه لا تفسد صلاته، قال أبو بكر الرازي: ومن الناس من يظن أن مذهب أبي حنيفة أنه يجوز كون الفاسق إماما وخليفة، ولا يجوز كون الفاسق قاضيا، قال: وهذا خطأ، ولم يفرق أبو حنيفة بين الخليفة والحاكم في أن شرط كل واحد منهما العدالة، وكيف يكون خليفة وروايته غير مقبولة، وأحكامه غير نافذة، وكيف يجوز أن يدعي ذلك على أبي حنيفة وقد أكرهه ابن هبيرة في أيام بني أمية على القضاء، وضربه فامتنع من ذلك فحبس، فلح ابن هبيرة وجعل يضربه كل يوم أسواطا، فلما خيف عليه، قال له الفقهاء: تول له شيئا من عمله أي شيء كان حتى يزول عنك الضرب، فتولي له عد أحمال التبن التي تدخل فخلاه، ثم دعاه المنصور إلى مثل ذلك حتى عد له اللبن الذي كان يضرب لسور مدينة المنصور إلى مثل ذلك وقصته في أمر زيد بن علي مشهورة، وفي حمله المال إليه وفتياه الناس سرا في وجوب نصرته والقتال معه، وكذلك أمره مع محمد وإبراهيم ابني عبد الله بن الحسن، ثم قال: وإنما غلط من غلط في هذه الرواية أن قول أبي حنيفة: أن القاضي إذا كان عدلا في نفسه، وتولي القضاء من إمام جائر فإن أحكامه نافذة، والصلاة خلفه جائزة، لأن القاضي إذا كان عدلا في نفسه ويمكنه تنفيذ
(٤٧)