المسألة الأولى: * (فلا تكونن من الممترين) * في ماذا اختلفوا فيه على أقوال. أحدها: فلا تكونن من الممترين في أن الذين تقدم ذكرهم علموا صحة نبوتك، وأن بعضهم عاند وكتم، قاله الحسن. وثانيها: بل يرجع إلى أمر القبلة. وثالثها: إلى صحة نبوته وشرعه، وهذا هو الأقرب لأن أقرب المذكورات إليه قوله: * (الحق من ربك) * فإذا كان ظاهره يقتضي النبوة وما تشتمل عليه من قرآن ووحي وشريعة، فقوله: * (فلا تكونن من الممترين) * وجب أن يكون راجعا إليه.
المسألة الثانية: أنه تعالى وإن نهاه عن الامتراء فلا يدل ذلك على أنه كان شاكا فيه، وقد تقدم القول في بيان هذه المسألة والله أعلم.
* (ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شىء قدير) * اعلم أنهم اختلفوا في المراد بقوله: * (ولكل) * وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: إنما قال: * (ولكل) * ولم يقل لكل قوم أو أمة لأنه معروف المعنى عندهم فلم يضر حذف المضاف إليه وهو كثير في كلامهم كقوله: * (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) * (المائدة: 48).
المسألة الثانية: ذكروا فيه أربعة أوجه. أحدها: أنه يتناول جميع الفرق، أعني المسلمين واليهود والنصارى والمشركين، وهو قول الأصم، قال: لأن في المشركين من كان يعبد الأصنام ويتقرب بذلك إلى الله تعالى كما حكى الله تعالى عنهم في قوله: * (هؤلاء شفعاؤنا عند الله) * (يونس: 18). وثانيها: وهو قول أكثر علماء التابعين، أن المراد أهل الكتاب وهم: المسلمون واليهود والنصارى، والمشركون غير داخلين فيه. وثالثها: قال بعضهم: المراد لكل قوم من المسلمين وجهة أي جهة من الكعبة يصلي إليها: جنوبية أو شمالية، أو شرقية أو غربية، واحتجوا على هذا القول بوجهين. الأول: قوله تعالى: * (هو موليها) * يعني الله موليها وتولية الله لم تحصل إلا في الكعبة، لأن ما عداها تولية الشيطان. الثاني: أن الله تعالى عقبه بقوله: * (فاستبقوا الخيرات) * والظاهر أن المراد من هذه الخيرات ما لكل أحد من جهة، والجهات الموصوفة بالخيرية ليست إلا جهات الكعبة. ورابعها: قال آخرون: ولكل وجهة أي لكل واحد من الرسل وأصحاب الشرائع جهة قبلة، فقبلة المقربين: