أما قوله: * (ونحن له مسلمون) * فالمعنى أن إسلامنا لأجل طاعة الله تعالى لا لأجل الهوى، وإذا كان كذلك فهو يقتضي أنه متى ظهر المعجز وجب الإيمان به. فأما تخصيص بعض أصحاب المعجزات بالقبول، والبعض بالرد، فذلك يدل على أن المقصود من ذلك الإيمان ليس طاعة الله والانقياد له، بل اتباع الهوى والميل.
* (فإن ءامنوا بمثل مآ ءامنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم فى شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم) * اعلم أنه تعالى لما بين الطريق الواضح في الدين، وهو أن يعترف الإنسان بنبوة من قامت الدلالة على نبوته، وأن يحترز في ذلك عن المناقضة: رغبهم في مثل هذا الإيمان فقال: * (فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا) *.
من وجوه: أحدها: أن المقصود منه التثبيت والمعنى: إن حصلوا دينا آخر مثل دينكم ومساويا له في الصحة والسداد فقد اهتدوا، لما استحال أن يوجد دين آخر يساوي هذا الدين في السداد استحال الاهتداء بغيره ونظيره قولك للرجل الذي تشير عليه: هذا هو الرأي والصواب فإن كان عندك رأى أصوب منه فاعمل به وقد علمت أن لا أصوب من رأيك ولكنك تريد تثبيت صاحبك وتوقيفه على أن ما رأيت لا رأي وراءه، وإنما قلنا: إنه يستحيل أن يوجد دين آخر يساوي هذا الدين في السداد لأن هذا الدين مبناه على أن كل من ظهر عليه المعجز وجب الاعتراف بنبوته، وكل ما غاير هذا الدين لا بد وأن يشتمل على المناقضة، والمتناقض يستحيل أن يكون مساويا لغير المتناقض في السداد والصحة. وثانيها: أن المثل صلة في الكلام قال الله تعالى: * (ليس كمثله شيء) * (الشورى: 11) أي ليس كهو شيء، وقال الشاعر: وصاليات ككما يؤثفين، وكانت أم الأحنف ترقصه وتقول: والله لولا حنف برجله (c) ودقة في ساقه من هزله (c) ما كان منكم أحد كمثله (c) وثالثها: أنكم آمنتم بالفرقان من غير تصحيف وتحريف، فإن آمنوا بمثل ذلك وهو التوراة من