* (الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبنآءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون * الحق من ربك فلا تكونن من الممترين) * اعلم أن في الآية مسائل:
المسألة الأولى: قوله: * (الذين آتيناهم الكتاب) * وإن كان عاما بحسب اللفظ لكنه مختص بالعلماء منهم، والدليل عليه أنه تعالى وصفهم بأنهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، والجمع العظيم الذي علموا شيئا استحال عليهم الاتفاق على كتمانه في العادة، ألا ترى أن واحدا لو دخل البلد وسأل عن الجامع لم يجز أن لا يلقاه أحد إلا بالكذب والكتمان، بل إنما يجوز ذلك على الجمع القليل، والله أعلم.
المسألة الثانية: الضمير في قوله: * (يعرفونه) * إلى ماذا يرجع؟ ذكروا فيه وجوها. أحدها: أنه عائد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أي يعرفونه معرفة جلية، يميزون بينه وبين غيره كما يعرفون أبناءهم، لا تشتبه عليهم وأبناء غيرهم. عن عمر رضي الله عنه أنه سأل عبد الله بن سلام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أنا أعلم به مني بإبني، قال: ولم؟ قال: لأني لست أشك في محمد أنه نبي وأما ولدي فلعل والدته خانت. فقبل عمر رأسه، وجاز الإضمار وإن لم يسبق له ذكر لأن الكلام يدل عليه ولا يلتبس على السامع ومثل هذا الإضمار فيه تفخيم وإشعار بأنه لشهرته معلوم بغير إعلام وعلى هذا القول أسئلة.
السؤال الأول: أنه لا تعلق لهذا الكلام بما قبله من أمر القبلة.
الجواب: أنه تعالى في الآية المتقدمة لما حذر أمة محمد صلى الله عليه وسلم عن اتباع اليهود والنصارى بقوله: * (ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين) * (البقرة: 145) أخبر المؤمنين بحاله عليه الصلاة والسلام في هذه الآية فقال: اعلموا يا معشر المؤمنين أن علماء أهل الكتاب يعرفون محمدا وما جاء به وصدقه ودعوته وقبلته لا يشكون فيه كما لا يشكون في أبنائهم.
السؤال الثاني: هذه الآية نظيرها قوله تعالى: * (يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل) * (الأعراف: 157) وقال: * (ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد) * (الصف: 6) إلا أنا نقول من المستحيل أن يعرفوه كما يعرفون