الإله يجب أن يكون حكيما لذاته، وإذا كان حكيما لذاته لم يكن القبيح مقدورا، والحكمة لذاتها تنافي فعل القبيح، فالإله يستحيل منه فعل القبيح، وما كان محال لم يكن مقدورا، إنما قلنا: الإله يجب أن يكون حكيما لأنه لو لم يجب ذلك لجاز تبدله بنقيضه، فحينئذ يلزم أن يكون الإله إلها مع عدم الحكمة وذلك بالاتفاق محال، وأما أن الحكمة تنافي فعل السفه فذلك أيضا معلوم بالبديهة، وأما أن مستلزم المنافي مناف فمعلوم بالبديهة، فإذن الإلهية لا يمكن تقريرها مع فعل السفه، وأما أن المحال غير مقدور فبين، فثبت أن الإله لا يقدر على فعل القبيح.
والجواب عنه: أما على مذهبنا فليس شيء من الأفعال سفها منه فزال السؤال والله أعلم.
* (ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه فى الاخرة لمن الصالحين) * اعلم أن الله تعالى بعد أن ذكر أمر إبراهيم عليه السلام وما أجراه على يده من شرائف شرائعه التي ابتلاه بها، ومن بناء بيته وأمره بحج عباد الله إليه وما جبله الله تعالى عليه من الحرص على مصالح عباده ودعائه بالخير لهم، وغير ذلك من الأمور التي سلف في هذه الآية السالفة عجب الناس فقال: * (ومن يرغب عن ملة إبراهيم) * والإيمان بما أتى من شرائعه فكان في ذلك توبيخ اليهود والنصارى ومشركي العرب لأن اليهود إنما يفتخرون به ويوصلون بالوصلة التي بينهم وبينه من نسب إسرائيل، والنصارى فافتخارهم ليس بعيسى وهو منتسب من جانب الأم إلى إسرائيل، وأما قريش فإنهم إنما نالوا كل خير في الجاهلية بالبيت الذي بناه فصاروا لذلك يدعون إلى كتاب الله، وسائر العرب وهم العدنانيون فمرجعهم إلى إسماعيل وهم يفتخرون على القحطانيين بإسماعيل بما أعطاه الله تعالى من النبوة، فرجع عند التحقيق افتخار الكل بإبراهيم عليه السلام، ولما ثبت أن إبراهيم عليه السلام هو الذي طلب من الله تعالى بعثة هذا الرسول في آخر الزمان وهو الذي تضرع إلى الله تعالى في تحصيل هذا المقصود، فالعجب ممن أعظم مفاخره وفضائله الانتساب إلى إبراهيم عليه السلام، ثم إنه لا يؤمن بالرسول الذي هو دعوة إبراهيم عليه السلام ومطلوبه بالتضرع لا شك أن هذا مما يستحق أن يتعجب منه.