المسألة الثانية: هذه المحاجة كانت مع من؟ ذكروا فيه وجوها. أحدها: أنه خطاب لليهود والنصارى. وثانيها: أنه خطاب مع مشركي العرب حيث قالوا: * (لولا أنزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم) * (الزخرف: 31) والعرب كانوا مقرين بالخالق. وثالثها: أنه خطاب مع الكل، والقول الأول أليق بنظم الآية.
أما قوله: * (وهو ربنا وربكم) * ففيه وجهان. الأول: أنه أعلم بتدبير خلقه وبمن يصلح للرسالة وبمن لا يصلح لها، فلا تعترضوا على ربكم، فإن العبد ليس له أن يعترض على ربه، بل يجب عليه تفويض الأمر بالكلية له. الثاني: أنه لا نسبة لكم إلى الله تعالى إلا بالعبودية، وهذه النسبة مشتركة بيننا وبينكم، فلم ترجحون أنفسكم علينا، بل الترجيح من جانبنا لأنا مخلصون له في العبودية، ولستم كذلك، وهو المراد بقوله: * (ونحن له مخلصون) * وهذا التأويل أقرب.
أما قوله تعالى: * (لنا أعمالنا ولكم أعمالكم) * فالمراد منه النصيحة في الدين كأنه تعالى قال لنبيه: قل لهم هذا القول على وجه الشفقة والنصيحة، أي لا يرجع إلى من أفعالكم القبيحة ضرر حتى يكون المقصود من هذا القول دفع ذلك الضرر وإنما المراد نصحكم وإرشادكم إلى الأصلح، وبالجملة فالإنسان إنما يكون مقبول القول إذا كان خاليا عن الأغراض الدنيوية، فإذا كان لشيء من الأغراض لم ينجع قوله في القلب البتة فهذا هو المراد فيكون فيه من الردع والزجر ما يبعث على النظر وتحرك الطباع على الاستدلال وقبول الحق، وأما معنى الإخلاص فقد تقدم.
* (أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى قل ءأنتم أعلم أم الله ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون) * اعلم أن في الآية مسألتين:
المسألة الأولى: قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم: * (أم تقولون) * بالتاء على المخاطبة كأنه قال: أتحاجوننا أم تقولون، والباقون بالياء على أنه إخبار عن اليهود والنصارى