الأصم وغيره: بل المراد أن أحدا منهم لا يؤمن، قال القاضي: إن أريد بأهل الكتاب كلهم العلماء منهم والعوام فلا بد من تأويل الحسن، وإن أريد به العلماء نظرنا فإن كان في علمائهم المخاطبين بهذه الآية من قد آمن وجب أيضا ذلك التأويل، وإن لم يكن فيهم من قد آمن صح إجراؤه على ظاهره في رجوع النفي إلى كل واحد منهم، لأن ذلك أليق بالظاهر إذ لا فرق بين قوله: * (ما تبعوا قبلتك) * وبين قوله: ما تبع أحد منهم قبلتك.
المسألة السادسة: * (لئن) * بمعنى * (لو) * وأجيب بجواب لو وللعلماء فيه خلاف فقيل: إنهما لما تقاربا استعمل كل واحد منهما مكان الآخر، وأجيب بجوابه نظيره قوله تعالى: * (ولئن أرسلنا ريحا) * (الروم: 51) ثم قال: * (لظلوا) * على جواب: * (لو) * وقال: * (ولو أنهم آمنوا واتقوا) * (البقرة: 103) ثم قال: * (لمثوبة) * على جواب: * (لئن) * وذلك أن أصل * (لو) * للماضي * (ولئن) * للمستقبل هذا قول الأخفش وقال سيبويه: إن كل واحدة منهما على موضعها، وإنما الحق في الجواب هذا التداخل لدلالة اللام على معنى القسم، فجاء الجواب كجواب القسم.
المسألة السابعة: الآية: وزنها فعلة أصلها: أية، فاستثقلوا التشديد في الآية فأبدلوا من الياء الأولى ألفا لانفتاح ما قبلها، والآية الحجة والعلامة، وآية الرجل: شخصه، وخرج القوم بآيتهم جماعتهم، وسميت آية القرآن بذلك لأنها جماعة حروف. وقيل: لأنها علامة لانقطاع الكلام الذي بعدها. وقيل: لأنها دالة على انقطاعها عن المخلوقين، وأنها ليست إلا من كلام الله تعالى.
المسألة الثامنة: روي أن يهود المدينة ونصارى نجران قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم: أئتنا بآية كما أتى الأنبياء قبلك فأنزل الله تعالى هذه الآية والأقرب أن هذه الآية ما نزلت في واقعة مبتدأة بل هي من بقية أحكام تحويل القبلة.
أما قوله تعالى: * (وما أنت بتابع قبلتهم) * ففيه أقوال. الأول: أنه دفع لتجويز النسخ، وبيان أن هذه القبلة لا تصير منسوخة. والثاني: حسما لأطماع أهل الكتاب فإنهم قالوا: لو ثبت على قبلتنا لكنا نرجوا أن يكون صاحبنا الذي ننتظره، وطمعوا في رجوعه إلى قبلتهم. الثالث: المقابلة يعني ما هم بتاركي باطلهم وما أنت بتارك حقك. الرابع: أراد أنه لا يجب عليك استصلاحهم باتباع قبلتهم، لأن ذلك معصية. الخامس: وما أنت بتابع قبلة جميع أهل الكتاب من اليهود والنصارى لأن قبلة اليهود مخالفة لقبلة النصارى، فلليهود بيت المقدس وللنصارى المشرق، فألزم قبلتك ودع أقوالهم.