ما قلت لو كان كذلك لقال: أن لا يطوف بهما، ثم حكى ما تقدم من الصنمين، وتفسير عائشة راجح على تفسير التابعين، فإن قالوا: قرأ ابن مسعود: (فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما) واللفظ أيضا محتمل له كقوله: * (يبين الله لكم أن تضلوا) * (النساء: 176) أي أن لا تضلوا، وكقوله تعالى: * (أن تقولوا يوم القيامة) * (الأعراف: 172) معناه: أن لا تقولوا، قلنا: القراءة الشاذة لا يمكن اعتبارها في القرآن لأن تصحيحها يقدح في كون القرآن متواترا. الخامس: كما أن قوله: * (فلا جناح عليه) * لا يطلق على الواجب، فكذلك لا يطلق على المندوب، ولا شك في أن السعي مندوب، فقد صارت الآية متروكة العمل بظاهرها. وأما التمسك بقوله: * (فمن تطوع خيرا) * فضعيف، لأن هذا لا يقتضي أن يكون المراد من هذا التطوع هو الطواف المذكور أولا، بل يجوز أن يكون المقصود منه شيئا آخر قال الله تعالى: * (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) * (البقرة: 184) ثم قال: * (فمن تطوع خيرا فهو خير له) * (البقرة: 184) فأوجب عليهم الطعام، ثم ندبهم إلى التطوع بالخير فكان المعنى: فمن تطوع وزاد على طعام مسكين كان خيرا، فكذا ههنا يحتمل أن يكون هذا التطوع مصروفا إلى شيء آخر وهو من وجهين. أحدهما: أنه يزيد في الطواف فيطوف أكثر من الطواف الواجب مثل أن يطوف ثمانية أو أكثر. الثاني: أن يتطوع بعد حج الفرض وعمرته بالحج والعمرة مرة أخرى حتى طاف بالصفا والمروة تطوعا وأما الحديث الذي تمسكوا به فنقول: ذلك الحديث عام وحديثنا خاص والخاص مقدم على العام والله أعلم.
أما قوله تعالى: * (ومن تطوع خيرا) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: قراءة حمزة وعاصم والكسائي (يطوع) بالياء وجزم العين، وتقديره: يتطوع، إلا أن التاء أدغمت في الطاء لتقاربهما، وهذا أحسن لأن المعنى على الاستقبال والشرط والجزاء الأحسن فيهما الاستقبال، وإن كان يجوز أن يقال من أتاني أكرمته فيوقع الماضي موقع المستقبل في الجزاء، إلا أن اللفظ إذا كان يوافق المعنى كان أحسن، وأما الباقون من القراء فقرؤا (تطوع) على وزن تفعل ماضيا وهذه القراءة تحتمل أمرين. أحدهما: أن يكون موضع (تطوع) جزما. الثاني: أن لا يجعل (من) للجزاء، ولكن يكون بمنزلة (الذي) ويكون مبتدأ والفاء مع ما بعدها في موضع رفع لكونها خبر المبتدأ الموصول والمعنى فيه معنى مبتدأ الخبر، إلا أن هذه الفاء إذا دخلت في خبر الموصول أو النكرة الموصوفة، أفادت أن الثاني إنما وجب لوجوب الأول كقوله: * (وما بكم من نعمة فمن الله) * (النحل: 53) فما مبتدأ موصول، والفاء مع ما بعدها خبر له، ونظيره قوله: * (والذين ينفقون أموالهم) * (النساء: 38) إلى قوله: * (فلهم أجرهم) * (البقرة: 274) وقوله: * (إن الذين فتنوا المؤمنين) * (البروج: 10) إلى قوله: * (فلهم