المسألة الثالثة: أمال الكسائي في بعض الروايات من * (إنا) * ولام * (لله) * والباقون بالتفخيم وإنما جازت الإمالة في هذه الألف للكسرة مع كثرة الاستعمال، حتى صارت بمنزلة الكلمة الواحدة، قال الفراء والكسائي: لا يجوز إمالة * (إنا) * مع غير اسم الله تعالى، وإنما وجب ذلك لأن الأصل في الحروف وما جرى مجراها امتناع الإمالة وكذلك لا يجوز إمالة * (حتى) * و * (لكن) *.
أما قوله: * (إنا لله وإنا إليه راجعون) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: قال أبو بكر الوراق * (إنا لله) * إقرار منا له بالملك: * (وإنا إليه راجعون) * إقرار على أنفسنا بالهلاك، واعلم أن الرجوع إليه ليس عبارة عن الإنتقال إلى مكان أو جهة، فإن ذلك على الله محال، بل المراد أنه يصير إلى حيث لا يملك الحكم فيه سواه، وذلك هو الدار الآخرة، لأن عند ذلك لا يملك لهم أحد نفعا ولا ضرا، وما داموا في الدنيا قد يملك غير الله نفعهم وضرهم بحسب الظاهر، فجعل الله تعالى هذا رجوعا إليه تعالى، كما يقال: إن الملك والدولة يرجع إليه لا بمعنى الانتقال بل بمعنى القدرة وترك المنازعة.
المسألة الثانية: هذا يدل على أن ذلك إقرار بالبعث والنشور، والاعتراف بأنه سبحانه سيجازي الصابرين على قدر استحقاقهم، ولا يضيع عنده أجر المحسنين.
المسألة الثالثة: قوله: * (إنا لله) * يدل على كونه راضيا بكل ما نزل به في الحال من أنواع البلاء وقوله: * (وإنا إليه راجعون) * يدل على كونه في الحال راضيا بكل ما سينزل به بعد ذلك، من إثابته على ما كان منه، ومن تفويض الأمر إليه على ما نزل به، ومن الإنتصاف ممن ظلمه، فيكون مذللا نفسه، راضيا بما وعده الله به من الأجر في الآخرة.
المسألة الرابعة: الأخبار في هذا الباب كثيرة. أحدها: عن النبي صلى الله عليه وسلم: " من استرجع عند المصيبة: جبر الله مصيبته، وأحسن عقباه، وجعل له خلفا صالحا يرضاه ". وثانيها: روي أنه طفئ سراج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " إنا لله وإنا إليه راجعون " فقيل أمصيبة هي؟ قال: نعم كل شيء يؤذي المؤمن فهو له مصيبة. وثالثها: قالت أم سلمة: حدثني أبو سلمة أنه عليه الصلاة والسلام قال: " ما من مسلم يصاب بمصيبة فيفزع إلى ما أمر الله به من قوله: * (إنا لله وإنا إليه راجعون) * اللهم عندك احتسبت مصيبتي فأجرني فيها وعوضني خيرا منها إلا آجره الله عليها وعوضه خيرا منها " قالت: فلما توفى أبو سلمة ذكرت هذا الحديث وقلت هذا القول: فعوضني الله تعالى محمدا عليه الصلاة والسلام. ورابعها: قال ابن عباس: أخبر الله أن المؤمن إذا سلم لأمر الله تعالى ورجع واسترجع عند مصيبته كتب الله تعالى له ثلاث خصال: الصلاة من الله، والرحمة