إظهار التفاخر بكثرة المال أو رياء الخلق أو ليتودد به إلى قلوب النساء، فكل ذلك يجعل التطيب معصية، وإن كان القصد إقامة السنة ودفع الروائح المؤذية عن عباد الله وتعظيم المسجد، فهو عين الطاعة، وإذا عرفت ذلك فقس عليه سائر المباحات، والضابط أن كل ما فعلته لداعي الحق فهو العمل الحق، وكل ما عملته لغير الله فحلالها حساب وحرامها عذاب.
المسألة الخامسة: اعلم أن الجاهل إذا سمع الوجوه العقلية والنقلية في أنه لا بد من النية فيقول في نفسه عند تدريسه وتجارته: نويت أن أدرس لله وأتجر لله يظن أن ذلك نية وهيهات فذاك حديث نفس أو حديث لسان والنية بمعزل عن جميع ذلك إنما النية انبعاث النفس وميلها إلى ما ظهر لها أن فيه غرضها إما عاجلا وإما آجلا. والميل إذا لم يحصل لم يقدر الإنسان على اكتسابه وهو كقول الشبعان نويت أن أشتهي الطعام، أو كقول الفارغ نويت أن أعشق، بل لا طريق إلى اكتساب الميل إلى الشيء إلا باكتساب أسبابه وليست هي إلا تحصيل العلم بما فيه من المنافع، ثم هذا العلم لا يوجب هذا الميل إلا عند خلو القلب عن سائر الشواغل، فإذا غلبت شهوة النكاح ولم يعتقد في الولد غرضا صحيحا لا عاجلا ولا آجلا، لا يمكنه أن يواقع على نية الولد بل لا يمكن إلا على نية قضاء الشهوة إذ النية هي إجابة الباعث ولا باعث إلا الشهوة فكيف ينوي الولد؟ فثبت أن النية ليست عبارة عن القول باللسان أو بالقلب بل هي عبارة عن حصول هذا الميل، وذلك أمر معلق بالغيب فقد يتيسر في بعض الأوقات، وقد يتعذر في بعضها.
/ المسألة السادسة: اعلم أن نيات الناس في الطاعات أقسام: فمنهم من يكون عملهم إجابة لباعث الخوف فإنه يتقي النار، ومنهم من يعمل لباعث الرجاء وهو الرغبة في الجنة والعامل لأجل الجنة عامل لبطنه وفرجه، كالأجير السوء ودرجته درجة البله، وأما عبادة ذوي الألباب فلا تجاوز ذكر الله والفكر فيه حبا لجلاله وسائر الأعمال مؤكدات له وهم الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه وثواب الناس بقدر نياتهم فلا جرم صار المقربون متنعمين بالنظر إلى وجهه الكريم ونسبة شرف الالتذاذ بنعيم الجنة إلى شرف الالتذاذ بهذا المقام كنسبة نعيم الجنة إلى وجهه الكريم.
* (وقالت اليهود ليست النصارى على شىء وقالت النصارى ليست اليهود على شىء