أزمنة الخسوف الواحد بحسب التفاوت في أجزاء الدائرة حتى أن الخسوف الذي يتفق في أقصى عمارة المشرق في أول الليل، يوجد في أقصى عمارة المغرب في أول النهار فثبت أنها كرة في الطول، فأما عرض الأرض فإما أن يكون مسطحا أو مقعرا أو محدبا، والأول: باطل وإلا لكان السالك من الجنوب على سمت القطب لا يزداد ارتفاع القطب عليه، ولا يظهر له من الكواكب الأبدية الظهور ما لم يكن كذلك، لكنا بينا أن أحوالها مختلفة بحسب اختلاف عروضها، والثاني: أيضا باطل وإلا لصارت الأبدية الظهور خفية عنه على دوام توغله في ذلك المقعر، ولا ننقص ارتفاع القطب والتوالي كاذبة على ما قطعنا في بيان المراتب السبعة الحاصلة بحسب اختلاف عروض البلدان وهذه الحجة على حسن تقريرها إقناعية.
الحجة الثانية: ظل الأرض مستدير فوجب كون الأرض مستديرة.
بيان الأول: أن انخساف القمر نفس ظل الأرض، لأنه لا معنى لانخسافه إلا زوال النور عن جوهره عند توسط الأرض بينه وبين الشمس ثم نقول: وانخساف القمر مستدير لأنا نحس بالمقدار المنخسف منه مستديرا، وإذا ثبت ذلك وجب أن تكون الأرض مستديرة لأن امتداد الظل يكون على شكل الفصل المشترك بين القطعة المستضيئة بإشراق الشمس عليها، وبين القطعة المظلمة منها فإذا كان الظل مستديرا وجب أن يكون ذلك الفصل المشترك الذي شكل كل الظل مثل شكله مستديرا فثبت أن الأرض مستديرة ثم إن هذا الكلام غير مختص بجانب واحد من جوانب الأرض لأن المناظر الموجبة للكسوف تتفق في جميع أجزاء فلك البروج مع أن شكل الخسوف أبدا على الاستدارة فإذن الأرض مستديرة الشكل من كل الجوانب.
الحجة الثالثة: أن الأرض طالبة للبعد من الفلك ومتى كان حال جميع أجزائها كذلك وجب أن تكون الأرض مستديرة، لأن امتداد الظل كرة، واحتج من قدح في كرية الأرض بأمرين، أحدهما: أن الأرض لو كانت كرة لكان مركزها متطبقا على مركز العالم، ولو كان كذلك لكان الماء محيطا بها من كل الجوانب، لأن طبيعة الماء تقتضي طلب المركز فيلزم كون الماء محيطا بكل الأرض. الثاني: ما نشاهد في الأرض من التلال والجبال العظيمة والأغوار المقعرة جدا.
أجابوا عن الأول بأن العناية الإلهية اقتضت إخراج جانب من الأرض عن الماء بمنزلة جزيرة في البحر لتكون مستقرا للحيوانات، وأيضا لا يبعد سيلان الماء من بعض جوانب الأرض إلى المواضع الغائرة منها وحينئذ يخرج بعض جوانب الأرض من الماء.
وعن الثاني أن هذه التضاريس لا تخرج الأرض عن كونها كرة، قالوا: لو اتخذنا كرة من