في الأمر بالتوجه إليه، واحتج مالك بقوله تعالى: * (فول وجهك شطر المسجد الحرام) * ومن كان داخل المسجد الحرام لم يكن متوجها إلى المسجد بل إلى جزء من أجزائه. والجواب: أن المتوجه الواحد يستحيل أن يكون متوجها إلى كل المسجد، بل لا بد وأن يكون متوجها إلى جزء من أجزائه ومن كان داخل البيت فهو كذلك فوجب أن يكون داخلا تحت الآية. ورابعها: أن قوله: * (للطائفين) * يتناول مطلق الطواف سواء كان منصوصا عليه في كتاب الله تعالى، كقوله تعالى: * (وليطوفوا بالبيت العتيق) * أو ثبت حكمه بالسنة، أو كان من المندوبات.
* (وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من ءامن منهم بالله واليوم الاخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير) * اعلم أن هذا هو النوع الثالث من أحوال إبراهيم عليه السلام التي حكاها الله تعالى ههنا، قال القاضي: في هذه الآيات تقديم وتأخير، لأن قوله: * (رب اجعل هذا بلدا آمنا) * لا يمكن إلا بعد دخول البلد في الوجود، والذي ذكره من بعد وهو قوله: * (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت) * (البقرة: 128) وإن كان متأخرا في التلاوة فهو متقدم في المعنى، وههنا مسائل:
المسألة الأولى: المراد من الآية دعاء إبراهيم للمؤمنين من سكان مكة بالأمن والتوسعة بما يجلب إلى مكة لأنها بلد لا زرع ولا غرس فيه، فلولا الأمن لم يجلب إليها من النواحي وتعذر العيش فيها. ثم إن الله تعالى أجاب دعاءه وجعله آمنا من الآفات، فلم يصل إليه جبار إلا قصمه الله كما فعل بأصحاب الفيل، وههنا سؤالان:
السؤال الأول: أليس أن الحجاج حارب ابن الزبير وخرب الكعبة وقصد أهلها بكل سوء وتم له ذلك؟
الجواب: لم يكن مقصوده تخريب الكعبة لذاتها، بل كان مقصوده شيئا آخر.
السؤال الثاني: المطلوب من الله تعالى هو أن يجعل البلد آمنا كثير الخصب، وهذا مما يتعلق بمنافع الدنيا فكيف يليق بالرسول المعظم طلبها.