كالصبر على الضرب الشديد والألم العظيم. والثاني: هو الصبر النفساني وهو منع النفس عن مقتضيات الشهوة ومشتهيات الطبع، ثم هذا الضرب إن كان صبرا عن شهوة البطن والفرج سمي عفة، وإن كان على احتمال مكروه اختلفت أساميه عند الناس باختلاف المكروه الذي عليه الصبر، فإن كان في مصيبة اقتصر عليه باسم الصبر ويضاده حالة تسمى الجزع والهلع، وهو إطلاق داعي الهوى في رفع الصوت وضرب الخد وشق الجيب وغيرها وإن كان في حال الغنى يسمى ضبط النفس ويضاده حالة تسمى: البطر. وإن كان في حرب ومقاتلة يسمى: شجاعة، ويضاده الجبن، وإن كان في كظم الغيظ والغضب يسمى: حلما، ويضاده النزق، وإن كان في نائبة من نوائب الزمان مضجرة سمي: سعة الصدر، ويضاده الضجر والندم وضيق الصدر وإن كان في إخفاء كلام يسمى: كتمان النفس ويسمى صاحبه: كتوما، وإن كان عن فضول العيش سمي زهدا، ويضاده الحرص وإن كان على قدر يسير من المال سمي بالقناعة ويضاده الشره وقد جمع الله تعالى أقسام ذلك وسمي الكل صبرا فقال: * (الصابرين في البأساء) * أي المصيبة. * (والضراء) * أي الفقر: * (وحين البأس) * أي المحاربة: * (أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون) * (البقرة: 177) قال القفال رحمه الله ليس الصبر أن لا يجد الإنسان ألم المكروه ولا أن لا يكره ذلك لأن ذلك غير ممكن، إنما الصبر هو حمل النفس على ترك إظهار الجزع، فإذا كظم الحزن وكف النفس عن إبراز آثاره كان صاحبه صابرا، وإن ظهر دمع عين أو تغير لون، قال عليه السلام: " الصبر عند الصدمة الأولى " وهو كذلك، لأن من ظهر منه في الابتداء ما لا يعد معه من الصابرين ثم صبر، فذلك يسمى سلوا وهو مما لا بد منه قال الحسن: لو كلف الناس إدامة الجزع لم يقدروا عليه والله أعلم.
المسألة الرابعة: في فضيلة الصبر قد وصف الله تعالى الصابرين بأوصاف وذكر الصبر في القرآن في نيف وسبعين موضعا وأضاف أكثر الخيرات إليه فقال: * (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا) * (السجدة: 24) وقال: * (وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا) * (الأعراف: 137) وقال: * (وليجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) * (النحل: 96) وقال: * (أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا) * (القصص: 54) وقال: * (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) * (الزمر: 10) فما من طاعة إلا وأجرها مقدرا إلا الصبر، ولأجل كون الصوم من الصبر قال تعالى: * (الصوم لي) * فإضافة إلى نفسه، ووعد الصابرين بأنه معهم فقال: * (واصبروا إن الله مع الصابرين) * (الأنفال: 46) وعلق النصرة على الصبر فقال: * (بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة) * (آل عمران: 125) وجمع للصابرين أمورا لم يجمعها لغيرهم فقال: * (أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون) * (البقرة: 157).