المسألة الثانية عشرة: إذا توجه إلى جهة ثم تغير اجتهاده وهو في الصلاة فعليه أن ينحرف ويتحول ويبني لأن عارض الاجتهاد لا يبطل السابق، فكذلك فيمن صدق مخبرا، ثم جاء آخر نفسه إليه أسكن فأخبره بخلافه، فهذا ما يتعلق بالمسائل المستنبطة من هذه الآية في حكم الاستقبال والله أعلم.
قوله تعالى: * (وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره) * فيه مسألتان:
المسألة الأولى: هذا ليس بتكرار، وبيانه من وجهين. أحدهما: أن قوله تعالى: * (فول وجهك شطر المسجد الحرام) * خطاب مع الرسول عليه السلام لا مع الأمة، وقوله: * (وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره) * خطاب مع الكل. وثانيهما: أن المراد بالأولى مخاطبتهم وهم بالمدينة خاصة، وقد كان من الجائز لو وقع الاختصار عليه أن يظن أن هذه القبلة قبلة لأهل المدينة خاصة، فبين الله تعالى أنهم أينما حصلوا من بقاع الأرض يجب أن يستقبلوا نحو هذه القبلة.
المسألة الثانية: قوله: * (وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره) * يعني: وأينما كنتم وموضع (كنتم) من الإعراب جزم بالشرط كأنه قيل: حيثما تكونوا، والفاء جواب.
أما قوله تعالى: * (وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون) * ففيه مسألتان:
المسألة الأولى: المراد بقوله: * (وإن الذين أوتوا الكتاب) * اليهود خاصة، والكتاب هو التوراة عن السدي، وقيل: بل المراد أحبار اليهود وعلماء النصارى وهو الصحيح لعموم اللفظ والكتاب المتقدم هو التوراة والإنجيل، ولا بد أن يكونوا عددا قليلا لأن الكثير لا يجوز عليهم التواطؤ على الكتمان.
المسألة الثانية: الضمير في قوله: * (أنه الحق) * راجع إلى مذكور سابق، وقد تقدم ذكر الرسول كما تقدم ذكر القبلة، فجاز أن يكون المراد أن القوم يعلمون أن الرسول مع شرعه ونبوته حق فيشتمل ذلك على أمر القبلة وغيرها، ويحتمل أن يرجع إلى هذا التكليف الخاص بالقبلة، وأنهم يعلمون أنه الحق، وهذا الاحتمال الأخير أقرب لأنه أليق بالكلام إذ المقصود بالآية ذلك دون غيره، ثم اختلفوا في أنهم كيف عرفوا ذلك؟ وذكروا فيه وجوها. أحدها: أن قوما من علماء اليهود كانوا عرفوا في كتب أنبيائهم خبر الرسول وخبر القبلة وأنه يصلي إلى القبلتين. وثانيها: أنهم كانوا يعلمون أن الكعبة هي البيت العتيق الذي جعله الله تعالى قبلة لإبراهيم وإسماعيل عليهما السلام. وثالثها: أنهم كانوا يعلمون نبوة محمد صلى الله عليه وسلم لما ظهر عليه من المعجزات،