كحب الله) * راجع إلى الناس الذين تقدم ذكرهم، وظاهر قوله: * (كحب الله) * يقتضي حبا لله ثابتا فيهم، فكأنه تعالى بين في الآية السالفة أن الإله واحد، ونبه على دلائله، ثم حكى قول من يشرك معه، وذلك يقتضي كونهم مقرين بالله تعالى.
فإن قيل: العاقل يستحيل أن يكون حبه للأوثان كحبه لله، وذلك لأنه بضرورة والعقل يعلم أن هذه الأوثان أحجار لا تنفع، ولا تضر، ولا تسمع، ولا تبصر ولا تعقل، وكانوا مقرين بأن لهذا العالم صانعا مدبرا حكيما ولهذا قال تعالى: * (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله) * (الزمر: 38) ومع هذا الاعتقاد كيف يعقل أن يكون حبهم لتلك الأوثان كحبهم لله تعالى، وأيضا فإن الله تعالى حكى عنهم أنهم قالوا: * (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) * (الزمر: 3) وإذا كان كذلك، كان المقصود الأصلي طلب مرضات الله تعالى، فكيف يعقل الاستواء في الحب مع هذا القول، قلنا قوله: * (يحبونهم كحب الله) * أي في الطاعة لها، والتعظيم لها، فالإستواء على هذا القول في المحبة لا ينافي ما ذكرتموه.
أما قوله تعالى: * (والذين آمنوا أشد حبا لله) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: في البحث عن ماهية محبة العبد لله تعالى، اعلم أنه لا نزاع بين الأمة في إطلاق هذه اللفظة، وهي أن العبد قد يحب الله تعالى، والقرآن ناطق به، كما في هذه الآية، وكما في قوله: * (يحبهم ويحبونه) * (المائدة: 54) وكذا الأخبار، روي أن إبراهيم عليه السلام قال لملك الموت عليه السلام وقد جاءه لقبض روحه: هل رأيت خليلا يميت خليله؟ فأوحى الله تعالى إليه: هل رأيت خليلا يكره لقاء خليله؟ فقال: يا ملك الموت الآن فاقبض، وجاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " يا رسول الله متى الساعة؟ فقال ما أعددت لها؟ فقال ما أعددت كثير صلاة ولا صيام، إلا أني أحب الله ورسوله، فقال عليه الصلاة والسلام: المرء مع من أحب ". فقال أنس: فما رأيت المسلمين فرحوا بشيء بعد الإسلام فرحهم بذلك، وروي أن عيسى عليه السلام مر بثلاثة نفر، وقد نحلت أبدانهم، وتغيرت ألوانهم، فقال لهم: ما الذي بلغ بكم إلى ما أرى؟ فقالوا: الخوف من النار، فقال حق على الله أن يؤمن الخائف، ثم تركهم إلى ثلاثة آخرين، فإذا هم أشد نحولا وتغيرا، فقال لهم: ما الذي بلغ بكم إلى هذا المقام؟ قالوا؛ الشوق إلى الجنة، فقال: حق على الله أن يعطيكم ما ترجون ثم تركهم إلى ثلاثة آخرين فإذا هم أشد نحولا وتغيرا، كأن وجوههم المرايا من النور، فقال: كيف بلغتم إلى هذه الدرجة، قالوا: بحب الله فقال عليه الصلاة والسلام: " أنتم المقربون إلى الله يوم القيامة "، وعند السدي قال: تدعى الأمم يوم القيامة بأنبيائها، فيقال: يا أمة موسى، ويا أمة عيسى، ويا أمة محمد، غير المحبين منهم، فإنهم ينادون: يا أولياء الله، وفي بعض الكتب: " عبدي أنا وحقك