المؤمنين، كأنه لم يعتد بغيرهم وحكم بأن المؤمنين هم الناس لا غير. وثالثها: أن كل أحد يلعن الجاهل والظالم لأن قبح ذلك مقرر في العقول، فإذا كان هو في نفسه جاهلا أو ظالما وإن كان لا يعلم هو من نفسه كونه كذلك، كانت لعنته على الجاهل والظالم تتناول نفسه عن السدي. ورابعها: أن يحمل وقوع اللعن على استحقاق اللعن، وحينئذ يعم ذلك.
المسألة الرابعة: قال أبو بكر الرازي في الآية دلالة على أن على المسلمين لعن من مات كافرا، وأن زوال التكليف عنه بالموت لا يسقط عنا لعنه والبراءة منه، لأن قوله: * (والناس أجمعين) * قد اقتضى أمرنا بلعنه بعد موته وهذا يدل على أن الكافر لو جن لم يكن زوال التكليف عنه بالجنون مسقطا للعنه والبراءة منه، وكذلك السبيل فيما يوجب المدح والموالاة من الإيمان والصلاح، فإن موت من كان كذلك أو جنونه، لا يغير حكمه عما كان عليه قبل حدوث الحال به. المسألة الخامسة: القائلون بالموافاة احتجوا بهذه الآية فقالوا: علق تعالى وجوب لعنته بأن يموت على كفره فلو استحق ذلك قبل الموت لم يصح ذلك، فعلمنا أن الكفر إنما يفيد استحقاق اللعن لو مات صاحبه عليه وكذا الإيمان إنما يفيد استحقاق المدح إذا مات صاحبه عليه. الجواب: الحكم المرتب على الذين ماتوا على الكفر مجموع أمور منها اللعن لو مات، ومنها الخلود في النار، وعندنا أن هذا المجموع وهو اللعن وحده، لم قلتم: أنه لا يحصل إلا فيه.
المسألة السادسة: القائلون بأن الكفر من الأسماء الشرعية، وما بقي على الوضع الأصلي وهم المعتزلة احتجوا بقوله تعالى: * (وماتوا وهم كفار) * والله تعالى وصفهم حال موتهم بأنهم كفار ومعلوم أن الكفر بمعنى الستر والتغطية، لا يبقى فيهم حال الموت، لأن التغطية لا تحصل إلا في حق الحي الفاهم.
المسألة السابعة؛ الآية تدل على جواز التخصيص مع التوكيد، لأنه تعالى قال: * (والناس أجمعين) * مع أنه مخصوص على مذهب من قال: المراد بالناس بعضهم.
وأما قوله تعالى: * (خالدين فيها) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: الخلود اللزوم الطويل، ومنه يقال: أخلد إلى كذا أي لزمه وركن إليه.
المسألة الثانية: العامل في (خالدين) الظرف من قوله (عليهم) لأن فيه معنى الاستقرار للعنة فهو حال من الهاء والميم في عليهم كقولك: عليهم المال صاغرين.
المسألة الثالثة: * (خالدين فيها) * أي في اللعنة، وقيل في النار إلا أنها أضمرت تفخيما لشأنها وتهويلا كما في قوله تعالى: * (إنا أنزلناه في ليلة القدر) * (القدر: 1) والأول أولى لوجوه. الأول: أن الضمير