ستمائة، ويخرج منه خليج آخر إلى أرض سرين، طوله مائتا ميل، وفي هذا البحر مائة واثنتان وستون جزيرة عامرة، منها خمسون جزيرة عظام.
وأما بحر نيطش فإنه يمتد من اللاذقية إلى خلف قسطنطينية، في أرض الروس والصقالبة طوله ألف وثلثمائة ميل، وعرضه ثلثمائة ميل.
وأما بحر جرجان فطوله من المغرب إلى المشرق ثلثمائة ميل، وعرضه ستمائة ميل، وفيه جزيرتان كانتا عامرتين فيمن مضى من الزمان ويعرف هذا البحر ببحر آبسكون، لأنها على فرضته ثم يمتد إلى طبرستان، والديلم، والنهروان، وباب الأبواب، وناحية أران، وليس يتصل ببحر آخر، فهذه هي البحور العظام، وأما غيرها فبحيرات وبطائح، كبحيرة خوارزم، وبحيرة طبرية.
وحكي عن أرسطاطاليس: أن بحر أوقيانوس محيط بالأرض بمنزلة المنطقة لها، فهذا هو الكلام المختصر في أمر البحور.
المسألة الرابعة: في كيفية الاستدلال بجريان الفلك في البحر على وجود الصانع تعالى وتقدس، وهي من وجوه. أحدها: أن السفن وإن كانت من تركيب الناس إلا أنه تعالى هو الذي خلق الآلات التي بها يمكن تركيب هذه السفن، فلولا خلقه لها لما أمكن ذلك. وثانيها: لولا الرياح المعينة على تحريكها لما تكامل النفع بها. وثالثها: لولا هذه الرياح وعدم عصفها لما بقيت ولما سلمت. ورابعها: لولا تقوية قلوب من يركب هذه السفن لما تم الغرض فصيرها الله تعالى من هذه الوجوه مصلحة للعباد، وطريقا لمنافعهم وتجاراتهم. وخامسها: أنه خص كل طرف من أطراف العالم بشيء معين، وأحوج الكل إلى الكل فصار ذلك داعيا يدعوهم إلى اقتحامهم هذه الأخطار في هذه الأسفار ولولا أنه تعالى خص كل طرف بشيء وأحوج الكل إليه لما ارتكبوا هذه السفن، فالحامل ينتفع به لأنه يربح والمحمول إليه ينتفع بما حمل إليه. وسادسها: تسخير الله البحر لحمل الفلك مع قوة سلطان البحر إذا هاج، وعظم الهول فيه إذا أرسل الله الرياح فاضطربت أمواجه وتقلبت مياهه. وسابعها: أن الأودية العظام، مثل: جيحون، وسيحون، تنصب أبدا إلى بحيرة خوارزم على صغرها، ثم إن بحيرة خوارزم لا تزداد البتة ولا تمتد، فالحق سبحانه وتعالى هو العالم بكيفية حال هذه المياه العظيمة التي تنصب فيها. وثامنها: ما في البحار من الحيوانات العظيمة ثم إن الله تعالى يخلص السفن عنها، ويوصلها إلى سواحل السلامة. وتاسعها: ما في البحار من هذا الأمر العجيب، وهو قوله تعالى: * (مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان) * (الرحمن: 19 - 20) وقال: * (هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج) * (فاطر: 12) ثم إنه تعالى بقدرته يحفظ البعض عن الإختلاط بالبعض،