القسمان الآخران وهما يقتضيان الحدوث الدال على وجود الصانع.
والرابع عشر: أن الأجسام متساوية في الجسمية لأنه يصح تقسيم الجسم إلى الفلكي والعنصري والكثيف واللطيف، والحار والبارد، والرطب واليابس، ومورد التقسيم مشترك بين كل الأجسام. فالجسمية قدر مشترك بين هذه الصفات، والأمور المتساوية في الماهية يجب أن تكون متساوية في قالبية الصفات، فإذن كل ما صح على جسم صح على غيره، فإذن اختصاص كل جسم بما اختص به من المقدار، والوضع، والشكل، والطبع، والصفة، لا بد وأن يكون من الجائزات، وذلك يقضي بالافتقار إلى الصانع القديم جل جلاله، وتقدست أسماؤه ولا إله غيره، فهذا هو الإشارة إلى معاقد الدلائل المستنبطة من أجسام السماوات والأرض، على إثبات الصانع: * (ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفذت كلمات الله) * (لقمان: 27).
النوع الثاني: من الدلائل أحوال الأرض وفيه فصلان: الفصل الأول في بيان أحوال الأرض اعلم أن لاختلاف أحوال الأرض أسبابا:
السبب الأول: اختلاف أحوالها بسبب حركة الفلك، وهي أقسام:
القسم الأول: المواضع العديمة العرض، وهي التي على خط الاستواء بموافقتها قطبي العالم، تقاطع معدل النهار على زوايا قائمة، وتقطع جميع المدارات اليومية بنصفين، وتكون حركة الفلك دولابية، ولم يختلف هناك ليل كوكب مع نهاره، ولم يتصور كوكب أبدي الظهور، ولا أبدي الخفاء، بل يكون لكل نقطة سوى القطبين: طلوع وغروب، ويمر فلك البروج بسمت الرأس في الدورة مرتين، وذلك عند بلوغ قطبية دائرة الأفق، وتمر الشمس بسمت الرأس مرتين في السنة، وذلك عند بلوغها نقطتي الإعتدالين.
القسم الثاني: المواضع التي لها عرض، فإن قطب الشمال يرتفع فيها من الأفق، وقطب الجنوب ينحط عنه ويقطع الأفق معدل النهار فقط على نصفين، فأما سائر المدارات فيقطعها بقسمين مختلفين، الظاهر منهما في الشمالية أعظم من الخافي وفي الجنوبية بخلاف ذلك، ولهذا يكون النهار في الشمالية أطول من الليل، وفي الجنوبية بالخلاف، وتصير الحركة ههنا حمائلية