أبناءهم، وذلك لأنه وصفه في التوراة والإنجيل إما أن يكون قد أتى مشتملا على التفصيل التام، وذلك إنما يكون بتعيين الزمان والمكان والصفة والخلقة والنسب والقبيلة أو هذا الوصف ما أتى مع هذا النوع من التفصيل فإن كان الأول وجب أن يكون بمقدمه في الوقت المعين من البلد المعين من القبلة المعينة على الصفة المعينة معلوما لأهل المشرق والمغرب لأن التوراة والإنجيل كانا مشهورين فيما بين أهل المشرق والمغرب، ولو كان الأمر كذلك لما تمكن أحد من النصارى واليهود من إنكار ذلك.
وأما القسم الثاني: فإنه لا يفيد القطع بصدق نبوة محمد عليه الصلاة والسلام لأنا نقول: هب أن التوراة اشتملت على أن رجلا من العرب سيكون نبيا إلا أن ذلك الوصف لما لم يكن منتهيا في التفصيل إلى حد اليقين، لم يلزم من الاعتراف به الاعتراف بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
والجواب: عن هذا الإشكال إنما يتوجه لو قلنا بأن العلم بنبوته إنما حصل من اشتمال التوراة والإنجيل على وصفه ونحن لا نقول به بل نقول أنه ادعى النبوة وظهرت المعجزة على يده وكل من كان كذلك كان نبيا صادقا فهذا برهان والبرهان يفيد اليقين، فلا جرم كان العلم بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم أقوى وأظهر من العلم بنبوة الأبناء وأبوة الآباء.
السؤال الثالث: فعلى هذا الوجه الذي قررتموه كان العلم بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم علما برهانيا غير محتمل للغلط، أما العلم بأن هذا ابني فذلك ليس علما يقينيا بل ظن ومحتمل للغلط، فلم شبه اليقين بالظن؟
والجواب: ليس المراد أن العلم بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم يشبه العلم بنبوة الأبناء، بل المراد به تشبيه العلم بأشخاص الأبناء وذواتهم فكما أن الأب يعرف شخص ابنه معرفة لا يشتبه هو عنده بغيره، فكذا ههنا وعند هذا يستقيم التشبيه لأن هذا العلم ضروري وذلك نظري وتشبيه النظري بالضروري يفيد المبالغة وحسن الاستعارة.
السؤال الرابع: لم خص الأبناء الذكور؟
الجواب: لأن الذكور أعرف وأشهر وهم بصحبة الآباء ألزم وبقلوبهم ألصق.
القول الثاني: الضمير في قوله: * (يعرفونه) * راجع إلى أمر القبلة: أي علماء أهل الكتاب