وأما الشبهة الرابعة: فالجواب عنها: أنه ليس من شرط المعلوم أن يعلم العلم تميزه عن غيره، لأن العلم بتميزه عن غيره يتوقف على العلم بذلك الغير، فلو كان توقف العلم بالشيء على العلم بتميزه عن غيره، وثبت أن العلم بتميزه من غيره يوقف على العلم بغيره، لزم أن لا يعلم الإنسان شيئا واحدا إلا إذا علم أمورا لا نهاية لها.
وأما الشبهة الخامسة: فالجواب عنها بالنقض الذي ذكرناه، وإذا انتقضت الشبهة سقطت، فيبقى ما ذكرناه من الدلالة على عموم عالمية الله تعالى سالما عن المعارض، وبالله التوفيق.
المسألة الثالثة: اعلم أن الضمير لا بد وأن يكون عائدا إلى مذكور سابق، فالضمير إما أن يكون متقدما على المذكور لفظا ومعنى، وإما أن يكون متأخرا عنه لفظا ومعنى ، وإما أن يكون متقدما لفظا ومتأخرا معنى، وإما أن يكون بالعكس منه. أما القسم الأول: وهو أن يكون متقدما لفظا ومعنى فالمشهور عند النحويين أنه غير جائز، وقال ابن جنى بجوازه، واحتج عليه بالشعر والمعقول، أما الشعر فقوله:
جزى ربه عني عدي بن حاتم * جزاء الكلاب العاويات وقد فعل وأما المعقول فلأن الفاعل مؤثر والمفعول قابل وتعلق الفعل بهما شديد، فلا يبعد تقديم أي واحد منهما كان على الآخر في اللفظ، ثم أجمعنا على أنه لو قدم المنصوب على المرفوع في اللفظ فإنه جائز، فكذا إذا لم يقدم مع أن ذلك التقديم جائز. القسم الثاني: وهو أن يكون الضمير متأخرا لفظا ومعنى، وهذا لا نزاع في صحته، كقولك: ضرب زيد غلامه. القسم الثالث: أن يكون الضمير متقدما في اللفظ متأخرا في المعنى وهو كقولك: ضرب غلامه زيد، فههنا الضمير وإن كان متقدما في اللفظ لكنه متأخر في المعنى، لأن المنصوب متأخر عن المرفوع في التقدير، فيصير كأنك قلت: زيد ضرب غلامه فلا جرم كان جائزا. القسم الرابع: أن يكون الضمير متقدما في المعنى متأخرا في اللفظ، وهو كقوله تعالى: * (وإذا ابتلى إبراهيم ربه) * فإن المرفوع مقدم في المعنى على المنصوب، فيصير التقدير: وإذ ابتلى ربه إبراهيم، إلا أن الأمر وإن كان كذلك بحسب المعنى لكن لما لم يكن الضمير متقدما في اللفظ بل كان متأخرا لا جرم كان جائزا حسنا.
المسألة الرابعة: قرأ ابن عامر: (إبراهام) بألف بين الهاء والميم، والباقون (إبراهيم) وهما لغتان، وقرأ ابن عباس وأبو حياة رضي الله عنه (إبراهيم ربه) برفع إبراهيم ونصب ربه، والمعنى أنه دعاه بكلمات من الدعاء فعل المختبر هل يجيبه الله تعالى إليهن أم لا.
المسألة الخامسة: اختلف المفسرون في أن ظاهر اللفظ هل يدل على تلك الكلمات أم لا؟