خلاف هذه الأمور، وذلك يدل على الافتقار إلى الصانع الموصوف بالصفات المذكورة، وإذا كان كل واحد من أجزاء هذه الأجسام ومن صفاتها شاهدا على وجود الصانع، لا جرم قال: إنها آيات وحاصل القول أن الموجود إما قديم وإما محدث، أما القديم فهو الله سبحانه وتعالى، وأما المحدث فكل ما عداه، وإذا كان في كل محدث دلالة على وجود الصانع كان كل ما عداه شاهدا على وجوده مقرا بوحدانيته معترفا بلسان الحال بإلهيته، وهذا هو المراد من قوله: * (وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم) * (الإسراء: 44).
أما قوله تعالى: * (لقوم يعقلون) * فإنما خص الآيات بهم لأنهم الذين يتمكنون من النظر فيه، والاستدلال به على ما يلزمهم من توحيد ربهم وعدله وحكمه ليقوموا بشكره، وما يلزم عبادته وطاعته.
واعلم أن النعم على قسمين نعم دنيوية ونعم دينية، وهذه الأمور الثمانية التي عدها الله تعالى نعم دنيوية في الظاهر، فإذا تفكر العاقل فيها واستدل بها على معرفة الصانع صارت نعما دينية لكن الانتفاع بها من حيث إنها نعم دنيوية لا يكمل إلا عند سلامة الحواس وصحة المزاج فكذا الانتفاع بها من حيث إنها نعم دينية لا يكمل إلا عند سلامة العقول وانفتاح بصر الباطن فلذلك قال: * (لآيات لقوم يعقلون) * قال القاضي عبد الجبار: الآية تدل على أمور. أحدها: أنه لو كان الحق يدرك بالتقليد واتباع الآباء والجري على الألف والعادة لما صح ذلك. وثانيها: لو كانت المعارف ضرورية وحاصلة بالإلهام لما صح وصف هذه الأمور بأنها آيات لأن المعلوم بالضرورة لا يحتاج في معرفته إلى الآيات. وثالثها: أن سائر الأجسام والأعراض وإن كانت تدل على الصانع فهو تعالى خص هذه الثمانية بالذكر لأنها جامعة بين كونها دلائل وبين كونها نعما على المكلفين على أوفر حظ ونصيب ومتى كانت الدلائل كذلك كانت أنجع في القلوب وأشد تأثير في الخواطر.
* (ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين ءامنوا أشد حبا لله ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا