ومتى علموا نبوته فقد علموا لا محالة أن كل ما أتى به فهو حق فكان هذا التحويل حقا.
وأما قوله: * (وما الله بغافل عما يعملون) * ففيه مسألتان:
المسألة الأولى: قرأ ابن عمار وحمزة والكسائي: * (تعملون) * بالتاء على الخطاب للمسلمين، والباقون بالياء على أنه راجع إلى اليهود.
المسألة الثانية: إنا إن جعلناه خطابا للمسلمين فهو وعد لهم وبشارة أي لا يخفى على جدكم واجتهادهم في قبول الدين، فلا أخل بثوابكم، وإن جعلناه كلاما مع اليهود فهو وعيد وتهديد لهم، ويحتمل أيضا أنه ليس بغافل عن مكافأتهم ومجازاتهم وإن لم يعجلها لهم كقوله تعالى: * (ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخر ليوم تشخص فيه الأبصار) * (إبراهيم: 42).
* (ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل ءاية ما تبعوا قبلتك ومآ أنت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض ولئن اتبعت أهوآءهم من بعد ما جآءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين) * اعلم أنه تعالى لما بين في الآية الأولى أن الذين أوتوا الكتاب يعلمون أن هذه القبلة حق، بين بعد ذلك صفتهم لا تتغير في الاستمرار على المعاندة، وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: اختلفوا في قوله: * (ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب) * فقال الأصم: المراد علماؤهم الذين أخبر الله تعالى عنهم في الآية المتقدمة بقوله: * (وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم) * (البقرة: 144) واحتج عليه بوجوه. أحدها: قوله: * (ولئن اتبعت أهواءهم) * فوصفهم بأنهم يتبعون الهوى، ومن اعتقد في الباطل أنه حق فإنه لا يكون متبعا لهوى النفس، بل يكون في ظنه أنه متبع للهدى فأما الذين يعلمون بقلوبهم، ثم ينكرون بألسنتهم، فهم المتبعون للهوى. وثانيها: أن ما قبل هذه الآية وهو قوله: * (وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلموا أنه الحق) * لا يتناول عوامهم بل هو مختص بالعلماء، وما بعدها وهو قوله: * (الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم) * (الأنعام: 20) مختص بالعلماء أيضا إذ لو كان عاما في الكل امتنع الكتمان لأن الجمع العظيم لا يجوز عليهم الكتمان، وإذا كان ما