فأما تلك التعلقات فهي أمور نسبية لا وجود لها في الأعيان، قلنا: العلم إنما يكون علما لو كان متعلقا بالمعلوم، فلو لم يكن ذلك التعلق حاصلا في نفس الأمر لزم أن لا يكون العلم علما في نفس الأمر وذلك محال. وثالثها: أن هذه المعلومات التي لا نهاية لها، هل يعلم الله عددها أو لا يعلم، فإن علم عددها فهي متناهية، لأن كل ما له عدد معين فهو متناه، وإن لم يعلم الله تعالى عددها لم يكن عالما بها على سبيل التفصيل، وكلامنا ليس إلا في العلم التفصيلي. ورابعها: أن كل معلوم فهو متميز في الذهن عما عداه، وكل متميز عما عداه فإن ما عداه خارج عنه، وكل ما خرج عنه فهو متناه، فإذن كل معلوم فهو متناه، فإذن كل ما هو غير متناه استحال أن يكون معلوما. وخامسها: أن الشيء إنما يكون معلوما لو كان للعلم تعلق به ونسبة إليه وانتساب الشيء إلى الشيء يعتبر تحققه في نفسه، فإنه إذا لم يكن للشيء في نفسه تعين استحال أن يكون لغيره إليه من حيث هو هو نسبة، والشيء المشخص قبل دخوله في الوجود لم يكن مشخصا البتة، فاستحال كونه متعلق العلم، فإن قيل: يبطل هذا بالمحالات والمركبات قبل دخولها في الوجود، فإنا نعلمها وإن لم يكن لها تعينات البتة، قلنا: هذا الذي أوردتموه نقض على كلامنا، وليس جوابا عن كلامنا، وذلك مما لا يزيل الشك والشبهة، قال هشام: فهذه الوجوه العقلية تدل على أنه لا حاجة إلى صرف هذه الآيات عن ظواهرها، واعلم أن هشاما كان رئيس الرافضة، فلذلك ذهب قدماء الروافض إلى القول بالنداء، أما الجمهور من المسلمين فإنهم اتفقوا على أنه سبحانه وتعالى يعلم الجزئيات قبل وقوعها، واحتجوا عليها بأنها قبل وقوعها تصح أن تكون معلومة لله تعالى إنما قلنا أنها تصح أن تكون معلومة لأنا نعلمها قبل وقوعها فإنا نعلم أن الشمس غدا تطلع من مشرقها، والوقوع يدل على الإمكان، وإنما قلنا: أنه لما صح أن تكون معلومة وجب أن تكون معلومة لله تعالى، لأن تعلق علم الله تعالى بالمعلوم أمر ثبت له لذاته، فليس تعلقه ببعض ما يصح أن يعلم أولى من تعلقه بغيره، فلو حصل التخصيص لافتقر إلى مخصص، وذلك محال، فوجب أن لا يتعلق بشيء من المعلومات أصلا وإن تعلق بالبعض فإنه يتعلق بكلها وهو المطلوب.
أما الشبهة الأولى: فالجواب عنها أن العلم بالوقوع تبع للوقوع، والوقوع تبع للقدرة، فالتابع لا ينافي المتبوع، فالعلم لازم لا يغني عن القدرة.
وأما الشبهة الثانية: فالجواب عنها: أنها منقوضة بمراتب الأعداد التي لا نهاية لها.
وأما الشبهة الثالثة: فالجواب عنها: أن الله تعالى لا يعلم عددها، ولا يلزم منه إثبات الجهل، لأن الجهل هو أن يكون لها عدد معين، ثم أن الله تعالى لا يعلم عددها، فأما إذا لم يكن في نفسها عدد، لم يلزم من قولنا: أن الله تعالى لا يعلم عددها إثبات الجهل.