موحدين مخلصين لا نعبد إلا إياك. والثاني: قائمين بجميع شرائع الإسلام وهو الأوجه لعمومه.
المسألة الثالثة: أما إن العبد لا يخاطب الله تعالى وقت الدعاء إلا بقوله: ربنا فسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى في تفسير قوله: * (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم) * (غافر: 60) في شرائط الدعاء.
أما قوله تعالى: * (ومن ذريتنا أمة مسلمة لك) * فالمعنى: واجعل من أولادنا و (من) للتبعيض وخص بعضهم لأنه تعالى أعلمهما أن في ذريتهما الظالم بقوله تعالى: * (لا ينال عهدي الظالمين) * (البقرة: 124) ومن الناس من قال: أراد به العرب لأنهم من ذريتهما، و (أمة) قيل هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم بدليل قوله: * (وابعث فيهم رسولا منهم) * وههنا سؤالات:
السؤال الأول: قد بينا أن قوله: * (لا ينال عهدي الظالمين) * كما يدل على أن في ذريته من يكون ظالما فكذلك يوجد فيهم من لا يكون ظالما، فإذن كون بعض ذريته أمة مسلمة صار معلوما بتلك الآية فما الفائدة في طلبه بالدعاء مرة أخرى؟
الجواب: تلك الدلالة ما كانت قاطعة، والشفيق بسوء الظن مولع.
السؤال الثاني: لم خص ذريتهما بالدعاء أليس أن هذا يجري مجرى البخل في الدعاء؟
والجواب: الذرية أحق بالشفقة والمصلحة قال الله تعالى: * (قوا أنفسكم وأهليكم نارا) * (التحريم: 6) ولأن أولاد الأنبياء إذا صلحوا صلح بهم غيرهم وتابعهم على الخيرات، ألا ترى أن المتقدمين من العلماء والكبراء إذا كانوا على السداد كيف يتسببون إلى سداد من وراءهم.
السؤال الثالث: الظاهر أن الله تعالى لو رد هذا الدعاء لصرح بذلك الرد فلما لم يصرح بالرد علمنا أنه أجابه إليه، وحينئذ يتوجه الإشكال، فإن في زمان أجداد محمد صلى الله عليه وسلم لم يكن أحد من العرب مسلما، ولم يكن أحد سوى العرب من ذرية إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام.
والجواب: قال القفال: أنه لم يزل في ذريتهما من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئا، ولم تزل الرسل من ذرية إبراهيم، وقد كان في الجاهلية: زيد بن عمرو بن نفيل، وقس بن ساعدة، ويقال عبد المطلب بن هاشم جد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعامر بن الظرب كانوا على دين الإسلام يقرون بالإبداء والإعادة، والثواب والعقاب، ويوحدون الله تعالى، ولا يأكلون الميتة، ولا يعبدون الأوثان.
أما قوله تعالى: * (وأرنا مناسكنا) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: في * (أرنا) * قولان، الأول: معناه علمنا شرائع حجنا إذ أمرتنا ببناء البيت لنحجه وندعوا الناس إلى حجه، فعلمنا شرائعه وما ينبغي لنا أن نأتيه فيه من عمل وقول مجاز هذا