غير تصحيف وتحريف فقد اهتدوا لأنهم يتصلون به إلى معرفة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم. ورابعها: أن يكون قوله: * (فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به) * أي فإن صاروا مؤمنين بمثل ما به صرتم مؤمنين فقد اهتدوا، فالتمثيل في الآية بين الإيمانين والتصديقين، وروى محمد بن جرير الطبري أن ابن عباس قال: لا تقولوا فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فليس لله مثل ولكن قولوا فإن آمنوا بالذي آمنتم به، قال القاضي: لا وجه لترك القراءة المتواترة من حيث يشكل المعنى ويلبس لأن ذلك إن جعله المرء مذهبا لزمه أن يغير تلاوة كل الآيات المتشابهات وذلك محظور والوجه الأول في الجواب هو المعتمد.
أما قوله: * (فقد اهتدوا) * فالمراد فقد عملوا بما هدوا إليه وقبلوه، ومن هذا حاله يكون وليا لله داخلا في أهل رضوانه، فالآية تدل على أن الهداية كانت موجودة قبل هذا الاهتداء، وتلك الهداية لا يمكن حملها إلا على الدلائل التي نصبها الله تعالى وكشف عنها وبين وجوه دلالتها، ثم بين على وجه الزجر ما يلحقهم إن تولوا فقال: * (وإن تولوا فإنما هم في شقاق) * وفي الشقاق بحثان:
البحث الأول: قال بعض أهل اللغة: الشقاق مأخوذ من الشق، كأنه صار في شق غير شق صاحبه بسبب العداوة وقد شق عصا المسلمين إذا فرق جماعتهم وفارقها، ونظيره: المحادة وهي أن يكون هذا في حد وذاك في حد آخر، والتعادي مثله لأن هذا يكون في عدوة وذاك في عدوة، والمجانبة أن يكون هذا في جانب وذاك في جانب آخر وقال آخرون: إنه من المشقة لأن كل واحد منهما يحرص على ما يشق على صاحبه ويؤذيه قال الله تعالى: * (وإن خفتم شقاق بينهما) * أي فراق بينهما في الاختلاف حتى يشق أحدهما على الآخر.
البحث الثاني: قوله: * (وإن تولوا فإنما هم في شقاق) * أي إن تركوا مثل هذا الإيمان فقد التزموا المناقضة والعاقل لا يلتزم المناقضة البتة فحيث التزموها علمنا أنه ليس غرضهم طلب الدين والانقياد للحق وإنما غرضهم المنازعة وإظهار العداوة ثم للمفسرين عبارات. أولها: قال ابن عباس رضي الله عنهما: * (فإنما هم في شقاق) * في خلاف مذ فارقوا الحق وتمسكوا بالباطل فصاروا مخالفين لله. وثانيها: قال أبو عبيدة ومقاتل في شقاتل. أي في ضلال. وثالثها: قال ابن زيد في منازعة ومحاربة. ورابعها: قال الحسن في عداوة قال القاضي: ولا يكاد يقال في المعاداة على وجه الحق أو المخالفة التي لا تكون معصية أنه شقاق وإنما يقال ذلك في مخالفة عظيمة توقع صاحبها في عداوة الله وغضبه ولعنه وفي استحقاق النار فصار هذا القول وعيدا منه تعالى لهم وصار وصفهم بذلك دليلا على أن القوم معادون للرسول مضمرون له السؤال مترصدون لإيقاعه في المحن، فعند