الأحكام كانت أحكامه نافذة، فلا اعتبار في ذلك بمن ولاه، لأن الذي ولاه بمنزلة سائر أعوانه، وليس شرط أعوان القاضي أن يكون عدولا ألا ترى أن أهل بلد لا سلطان عليهم لو اجتمعوا على الرضا بتولية رجل عدل منهم القضاء حتى يكونوا أعوانا له على من امتنع من قبول أحكامه لكان قضاؤه نافذا وأن لم يكن له ولاية من جهة إمام ولا سلطان والله أعلم.
المسألة السادسة: الآية تدل على عصمة الأنبياء من وجهين. الأول: أنه قد ثبت أن المراد من هذا العهد: الإمامة. ولا شك أن كل نبي إمام، فإن الإمام هو الذي يؤتم به، والنبي أولى الناس، وإذا دلت الآية على أن الإمام لا يكون فاسقا، فبأن تدل على أن الرسول لا يجوز أن يكون فاسقا فاعلا للذنب والمعصية أولى. الثاني: قال: * (ولا ينال عهدي الظالمين) * فهذا العهد إن كان هو النبوة؛ وجب أن تكون لا ينالها أحد من الظالمين وإن كان هو الإمامة، فكذلك لأن كل نبي لا بد وأن يكون إماما يؤتم به، وكل فاسق ظالم لنفسه فوجب أن لا تحصل النبوة لأحد من الفاسقين والله أعلم.
المسألة السابعة؛ اعلم أنه سبحانه بين أن له معك عهدا، ولك معه عهدا، وبين أنك متى تفي بعهدك، فإنه سبحانه يفي أيضا بعهده فقال: * (وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم) * (البقرة: 40) ثم في سائر الآيات فإنه أفرد عهدك بالذكر، وأفرد عهد نفسه أيضا بالذكر، أما عهدك فقال فيه: * (والموفون بعهدهم إذا عاهدوا) * (البقرة: 177) وقال: * (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) * (المؤمنون: 8) وقال: * (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) * (المائدة: 1) وقال: * (لم تقولون ما لا تفعلون * كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) * (الصف: 32) وأما عهده سبحانه وتعالى فقال فيه: * (ومن أوفى بعهده من الله) * (التوبة: 111) م بين كيفية عهده إلى أبينا آدم فقال: * (ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما) * (طه: 115) ثم بين كيفية عهده إلينا فقال: * (ألم أعهد إليكم يا بني آدم) * (يس: 60) ثم بين كيفية عهده مع بني إسرائيل فقال: * (إن الله عهد إلينا ألا نؤمن لرسول) * (آل عمران: 183) ثم بين كيفية عهده مع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فقال: * (وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل) * (البقرة: 125) ثم بين في هذه الآية أن عهده لا يصل إلى الظالمين فقال: * (لا ينال عهدي الظالمين) * فهذه المبالغة الشديدة في هذه المعاهدة تقتضي البحث عن حقيقة هذه المعاهدة فنقول: العهد المأخوذ عليك ليس إلا عهد الخدمة والعبودية، والعهد الذي التزمه الله تعالى من جهته ليس إلا عهد الرحمة والربوبية، ثم إن العاقل إذا تأمل في حال هذه المعاهدة لم يجد من نفسه إلا نقض هذا العهد، ومن ربه إلا الوفاء بالعهد، فلنشرع في معاقد هذا الباب فنقول: أول إنعامه عليك إنعام الخلق والإيجاد والإحياء وإعطاء العقل والآلة والمقصود من كل ذلك اشتغالك بالطاعة والخدمة والعبودية