ولى وجوه عباده إليهما، فاستبقوا الخيرات بالانقياد لأمر الله في الحالتين، فإن انقيادكم خيرات لكم، ولا تلتفتوا إلى مطاعن هؤلاء الذين يقولون: * (ما ولاهم عن قبلتهم) * (البقرة: 142) فإن الله يجمعكم وهؤلاء السفهاء جميعا في عرصة القيامة، فيفصل بينكم. الثاني: أنا إذا فسرنا قوله: * (ولكل وجهة) * بجهات الكعبة ونواحيها، كان المعنى: ولكل قوم منكم معاشر المسلمين وجهة، أي ناحية من الكعبة: * (فاستبقوا الخيرات) * بالتوجه إليها من جميع النواحي، فإنها وإن اختلفت بعد أن تؤدي إلى الكعبة فهي كجهة واحدة ولا يخفى على الله نياتهم فهو يحشرهم جميعا ويثيبهم على أعمالهم.
أما قوله تعالى: * (هو موليها) * أي هو موليها وجهه فاستغنى عن ذكر الوجه، قال الفراء: أي مستقبلها وقال أبو معاذ: موليها على معنى متوليها يقال: قد تولاها ورضيها وأتبعها، وفي قراءة عبد الله بن عامر النخعي: * (هو مولاها) * وهي قراءة ابن عباس وأبي جعفر ومحمد بن علي الباقر وفي قراءة الباقين: * (موليها) * ولقراءة ابن عامر معنيان. أحدهما: أن ما وليته فقد ولاك، لأن معنى وليته أي جعلته بحيث تليه وإذا صار هذا بحيث يلي ذلك فذاك أيضا، يلي هذا، فإذن قد ولى كل واحد منهما الآخر وهو كقوله تعالى: * (فتلقى آدم من ربه كلمات) * (البقرة: 37) و * (لا ينال عهدي الظالمين) * (البقرة: 124) والظالمون، وهذا قول الفراء. والثاني: * (هو موليها) * أي وقد زينت له تلك الجهة وحببت إليه، أي صارت بحيث يحبها ويرضاها. أما قوله: * (فاستبقوا الخيرات) * فمعناه الأمر بالبدار إلى الطاعة في وقتها، واعلم أن أداء الصلاة في أول الوقت عند الشافعي رضي الله عنه أفضل، خلافا لأبي حنيفة، واحتج الشافعي بوجوه: أولها: أن الصلاة خير لقوله صلى الله عليه وسلم: " الصلاة خير موضوع " وإذا كان كذلك وجب أن يكون تقديمه أفضل لقوله تعالى: * (فاستبقوا الخيرات) * وظاهر الأمر للوجوب، فإذا لم يتحقق فلا أقل من الندب. وثانيها: قوله: * (سابقوا إلى مغفرة من ربكم) * (الحديد: 21) ومعناه إلى ما يوجب المغفرة والصلاة مما يوجب المغفرة فوجب أن تكون المسابقة إليها مندوبة. وثالثها: قوله تعالى: * (والسابقون السابقون * أولئك المقربون) * (الواقعة: 10، 11) ولا شك أن المراد منه السابقون في الطاعات، ولا شك أن الصلاة من الطاعات، وقوله تعالى: * (أولئك المقربون) * يفيد الحصر، فمعناه أنه لا يقرب عند الله إلا السابقون وذلك يدل على أن كمال الفضل منوط بالمسابقة. ورابعها: قوله تعالى: * (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم) * (آل عمران: 133) والمعنى: وسارعوا إلى ما يوجب المغفرة، ولا شك أن الصلاة كذلك، فكانت المسارعة بها مأمورة. وخامسها: أنه مدح الأنبياء المتقدمين بقوله تعالى: * (إنهم كانوا يسارعون في الخيرات) * (الأنبياء: 90) ولا شك أن الصلاة من الخيرات، لقوله عليه السلام: " خير أعمالكم الصلاة ".