يريدني ويبتغي طاعتي وجدني هناك أي وجد ثوابي فكان في هذا عذر للنجاشي وأصحابه الذين ماتوا على استقبالهم المشرق وهو نحو قوله تعالى: * (وما كان الله ليضيع إيمانكم) * (البقرة: 143). وثالثها:
لما نزل قوله تعالى: * (ادعوني استجب لكم) * (غافر: 60) قالوا: أين ندعوه فنزلت هذه الآية، وهو قول الحسن ومجاهد والضحاك. ورابعها: أنه خطاب للمسلمين، أي لا يمنعكم تخريب من خرب مساجد الله عن ذكره حيث كنتم من أرضه فلله المشرق والمغرب والجهات كلها، وهو قول علي بن عيسى. وخامسها: من الناس من يزعم أنها نزلت في المجتهدين الوافين بشرائط الاجتهاد سواء كان في الصلاة أو في غيرها، والمراد منه أن المجتهد إذا رأى بشرائط الاجتهاد فهو مصيب.
المسألة الثانية: إن فسرنا الآية بأنها تدل على تجويز التوجه إلى أي جهة أريد، فالآية منسوخة وإن فسرناها بأنها تدل على نسخ القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة فالآية ناسخة، وإن فسرناها بسائر الوجوه فهي لا ناسخة ولا منسوخة.
المسألة الثالثة: اللام في قوله تعالى: * (ولله المشرق والمغرب) * لام الاختصاص أي هو خالقهما ومالكهما، وهو كقوله: * (رب المشرقين ورب المغربين) * (الرحمن: 17) وقوله: * (برب المشارق والمغارب، ورب المشرق والمغرب) * ثم أنه سبحانه أشار بذكرهما إلى ذكر من بينهما من المخلوقات، كما قال: * (ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين) * (فصلت: 11).
المسألة الرابعة: الآية من أقوى الدلائل على نفي التجسيم وإثبات التنزيه، وبيانه من وجهين، الأول: أنه تعالى قال: * (ولله المشرق والمغرب) * فبين أن هاتين الجهتين مملوكتان له وإنما كان كذلك لأن الجهة أمر ممتد في الوهم طولا وعرضا وعمقا، وكل ما كان كذلك فهو منقسم، وكل منقسم فهو مؤلف مركب، وكل ما كان كذلك فلا بد له من خالق وموجد، وهذه الدلالة عامة في الجهات كلها، أعني الفوق والتحت، فثبت بهذا أنه تعالى خالق الجهات كلها، والخالق متقدم على المخلوق لا محالة، فقد كان الباري تعالى قبل خلق العالم منزها عن الجهات والأحياز، فوجب أن يبقى بعد خلق العالم كذلك لا محالة لاستحالة انقلاب الحقائق والماهيات. الوجه الثاني: أنه تعالى قال: * (فأينما تولوا فثم وجه الله) * ولو كان الله تعالى جسما وله وجه جسماني لكان وجهه مختصا بجانب معين وجهة معينة فما كان يصدق قوله: * (فأينما تولوا فثم وجه الله) * فلما نص الله تعالى على ذلك علمنا أنه تعالى منزه عن الجسمية واحتج الخصم بالآية من وجهين، الأول: أن الآية تدل على ثبوت الوجه لله تعالى والوجه لا يحصل إلا من كان جسما. الثاني: أنه تعالى وصف نفسه بكونه واسعا، والسعة من صفة الأجسام. والجواب عن الأول: أن الوجه وإن كان في أصل اللغة عبارة عن العضو المخصوص