لو طلعت لم تجدنا غافلين، وعن عمر أنه قرأ البقرة فاستشرقوا الشمس، فقال: لو طلعت لم تجدنا غافلين. وخامسها: أن تأخير الصلاة يشتمل على فضيلة الإنتظار، وقال عليه السلام: " المنتظر للصلاة كمن هو في الصلاة " فمن أخر الصلاة عن أول وقتها فقد انتظر الصلاة أولا ثم بها ثانيا ومن صلاها في أول الوقت فقد فاته فضل الانتظار. وسادسها: أن التأخير يفضي إلى كثرة الجماعة فوجب أن يكون أولى تحصيلا لفضل الجماعة. وسابعها: أن التغليس يضيق على الناس، لأنه إذا كان الصلاة في وقت الغليس احتاج الإنسان إلى أن يتوضأ بالليل حتى يتفرغ للصلاة بعد طلوع الفجر، والحرج منفى شرعا. وثامنها: أنه تكره الصلاة بعد صلاة الفجر فإذا صلى وقت الإسفار فإنه يقل وقت الكراهة، وإذا صلى بالتغليس فإنه يكثر وقت الكراهة.
والجواب عن الأول: أن الفجر اسم للنور الذي ينفي به ظلام المشرق، فالفجر إنما يكون فجرا لو كانت الظلمة باقية في الهواء، فأما إذا زالت الظلمة بالكلية واستنار الهواء لم يكن ذلك فجرا، وأما الإسفار فهو عبارة عن الظهور، يقال: أسفرت المرأة عن وجهها إذا كشفت عنه، إذا ثبت هذا فنقول: ظهور الفجر إنما يكون عند بقاء الظلام في الهواء، فإن الظلام كلما كان أشد كان النور الذي يظهر فيما بين ذلك الظلام أشد، فقوله: " أسفروا بالفجر " يجب أن يكون محمولا على التغليس، أي كلما وقعت صلاتكم حين كان الفجر أظهر وأبهر كان أكثر ثوابا، وقد بينا أن ذلك لا يكون إلا في أول الفجر، وهذا معنى قول الشافعي رضي الله عنه أن الإسفار المذكور في الحديث محمول على تيقن طلوع الفجر وزوال الشك عنه، والذي يدل على ما قلنا أن أداء الصلاة في ذلك الوقت أشق، فوجب أن يكون أكثر ثوابا، وأما تأخير الصلاة إلى وقت التنوير فهو عادة أهل الكسل، فكيف يمكن أن يقول الشارع: إن الكسل أفضل من الجد في الطاعة.
والجواب عن الثاني: وهو قول ابن مسعود: حافظوا على التنوير بالفجر، فجوابه هذا الذي قررناه لأن التنوير بالفجر إنما يحصل في أول الوقت، فأما عند امتلاء العالم من النور فإنه لا يسمى ذلك فجرا، وأما سائر الوجوه فهي معارضة ببعض ما قدمناه والله أعلم.
أما قوله تعالى: * (أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا) * فهو وعد لأهل الطاعة، ووعيد لأهل المعصية، كأنه تعالى قال: استبقوا أيها المحققون والعارفون بالنبوة والشريعة الخيرات وتحملوا فيها المشاق لتصلوا يوم القيامة إلى مالكم عند الله من أنواع الكرامة والزلفى، ثم إنه سبحانه حقق بقوله: * (إن الله على كل شيء قدير) * وذلك لأن الإعادة في نفسها ممكنة وهو قادر على جميع الممكنات، فوجب أن يكون قادرا على الإعادة، وأما المسائل المستنبطة من هذه الآية، فقد ذكرناها