زاد المسير - ابن الجوزي - ج ٦ - الصفحة ٢٨٩
تساوي الأصل في خلقهم وخلق من قبلهم، فمن قدر على إهلاك الأقوياء، قدر على إهلاك الضعفاء.
قوله تعالى: (بل عجبت) " بل " معناه: ترك الكلام في الأول والأخذ في الكلام الآخر، كأنه قال: دع يا محمد ما مضى.
وفي " عجبت " قراءتان قرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وأبو عمرو، وابن عامر: " بل عجبت " بفتح التاء. وقرأ علي بن أبي طالب، وابن مسعود، وابن عباس، وأبو عبد الرحمن السلمي، وعكرمة، وقتادة، وأبو مجلز، والنخعي، وطلحة بن مصرف، والأعمش، وابن أبي ليلى، وحمزة، والكسائي في آخرين: " بل عجبت " بضم التاء، واختارها الفراء. فمن فتح أراد: بل عجبت يا محمد، (و يسخرون) هم. قال ابن السائب: أنت تعجب منهم، وهم يسخرون منك. وفي ما عجب منه قولان:
أحدهما: من الكفار إذ لم يؤمنوا بالقرآن.
والثاني: إذ كفروا بالبعث. ومن ضم، أراد الإخبار عن الله عز وجل أنه عجب، وقد أنكر هذه القراءة قوم، منهم شريح القاضي، قال: إن الله لا يعجب، إنما يعجب من لا يعلم، قال الزجاج:
وإنكار هذه القراءة غلط، لأن العجب من الله خلاف العجب من الآدمين، وهذا كقوله تعالى:
(ويمكر الله) وقوله: (سخر الله منهم)، وأصل العجب في اللغة: أن الإنسان إذا رأى ما ينكره ويقل مثله، قال: قد عجبت من كذا، وكذلك إذا فعل الآدميون ما ينكره الله عز وجل، جاز أن يقول عجبت، والله قد علم الشئ قبل كونه. وقال ابن الأنباري: المعنى: جازيتهم على عجبهم من الحق، فسمى الجزاء على الشئ باسم الشئ الذي له الجزاء، فسمى فعله عجبا وليس بعجب في الحقيقة، لأن المتعجب يدهش ويتحير، والله عز وجل قد جل عن ذلك، وكذلك سمي تعظيم الثواب عجبا، لأنه إنما يتعجب من الشئ إذا كان في النهاية، والعرب تسمي الفعل باسم الفعل إذا داناه من بعض وجوهه وإن كان مخالفا له في أكثر معانيه، قال عدي:
ثم أضحوا لعب الدهر بهم فجعل إهلاك الدهر وإفساده لعبا، قال ابن جرير: من ضم التاء، فالمعنى: بل عظم عندي وكبر اتخاذهم لي شريكا وتكذيبهم بتنزيلي. وقال غيره: إضافة العجب إلى الله عز وجل على ضربين:
(٢٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 284 285 286 287 288 289 290 291 292 293 294 ... » »»
الفهرست