إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون (53) فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون (54) إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون (55) هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون (56) لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون (57) سلام قولا من رب رحيم (58) قوله تعالى: (و إذا قيل لهم أنفقوا) اختلفوا فيمن نزلت على ثلاثة أقوال:
أحدها: في اليهود، قاله الحسن.
والثاني: في الزنادقة، قاله قتادة.
والثالث: في مشركي قريش، قاله مقاتل، وذلك أن المؤمنين قالوا لكفار مكة: أنفقوا على المساكين النصيب الذي زعمتم أنه لله من الحرث والأنعام، فقالوا: (أنطعم من لو يشاء الله أطعمه). وقال ابن السائب: كان العاص بن وائل إذا سأله مسكين، قال: اذهب إلى ربك فهو يرزقهم، فنحن نوافق مشيئة الله فيهم فلا نطعمهم، وهذا خطأ منهم، لأن الله تعالى أغنى بعض الخلق وأفقر بعضا، ليبلو الغني بالفقير فيما فرض له في ماله من الزكاة، والمؤمن لا يعترض على المشيئة، وإنما يوافق الأمر. وقيل: إنما قالوا هذا على سبيل الاستهزاء.
وفي قوله تعالى: (إن أنتم إلا في ضلال مبين) قولان:
أحدهما: أنه من قول الكفار للمؤمنين، يعنون: إنكم في خطأ من اتباع محمد.
والثاني: أنه من قول الله للكفار لما ردوه من جوانب المؤمنين.
قوله تعالى: (متى هذا الوعد؟) يعنون القيامة، والمعنى: متى إنجاز هذا الوعد (إن كنتم صادقين)؟ يعنون محمدا وأصحابه.
(ما ينظرون) أي: ما ينتظرون (إلا صيحة واحدة) وهي النفخة الأولى. و (يخصمون) بمعنى يختصمون، فأدغمت التاء في الصاد كذلك قرأ ابن كثير، وأبو عمرو: " يخصمون " بفتح الياء و الخاء و تشديد الصاد. و قرأ حمزة بسكون الخاء و تخفيف الصاد، أي: يخصم بعضهم بعضا. و قرأ أبي بن كعب: " يختصمون " بزيادة تاء، والمعنى أن الساعة تأتيهم أغفل ما كانوا عنها وهم يتشاغلون في متصرفاتهم وبيعهم وشرائهم، (فلا يستطيعون توصية) قال مقاتل: أعجلوا عن الوصية فماتوا، (و لا إلى أهلهم يرجعون) أي: لا يعودون من الأسواق إلى منازلهم، فهذا وصف ما يلقون في النفخة الأولى. ثم ذكر ما يلقون في النفخة الثانية قال: (و نفخ في الصور فإذا هم من الأجداث) يعني القبور، (إلى ربهم ينسلون) أي: يخرجون بسرعة، وقد شرحنا هذا المعنى في