فأما عند البأس، فأجبن قوم وأخذله للحق، وأما عند الغنيمة، فأشح قوم.
وفى المراد بالخير هاهنا ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه الغنيمة.
والثاني: على المال أن ينفقوه في سبيل الله [تعالى].
والثالث: على رسول الله [صلى الله عليه و آله و سلم] بظفره.
قوله تعالى: (أولئك لم يؤمنوا) أي: هم وإن أظهروا الإيمان فليسوا بمؤمنين، لنفاقهم (فأحبط الله أعمالهم) قال مقاتل أي: أبطل جهادهم، لأنه لم يكن في إيمان (وكان ذلك) الإحباط (على الله يسيرا).
ثم أخبر عنهم بما يدل على جبنهم، فقال: (يحسبون الأحزاب لم يذهبوا) أي: يحسب المنافقون من شدة خوفهم وجبنهم أن الأحزاب بعد انهزامهم وذهابهم لم يذهبوا، (وإن يأت الأحزاب) أي: يرجعوا إليهم كرة ثانية للقتال (يودوا لو أنهم بأدون في الأعراب) أي: يتمنوا لو كانوا في بادية الأعراب من خوفهم، (يسألون عن أنبائكم) أي: ودوا لو أنهم بالبعد منكم يسألون عن أخباركم، فيقولون: ما فعل محمد وأصحابه، ليعرفوا حالكم بالاستخبار لا بالمشاهدة، فرقا وجبنا، وقيل: بل يسألون شماتة بالمسلمين وفرحا بنكباتهم (ولو كانوا فيكم) أي: لو كانوا يشهدون القتال معكم (ما قاتلوا إلا قليلا) فيه قولان:
أحدهما: إلا رميا بالحجارة، قاله ابن السائب.
والثاني: إلا رياء من غير احتساب، قاله مقاتل.
ثم عاب من تخلف بالمدينة بقوله [تعالى]: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) أي: قدوة صالحة. والمعنى: لقد كان لكم به اقتداء لو اقتديتم به في الصبر معه كما صبر يوم أحد حتى كسرت رباعيته وشج جبينه وقتل عمه، وواساكم مع ذلك بنفسه.
وقرأ عاصم: " أسوة " بضم الألف، والباقون بكسر الألف، وهما لغتان. قال الفراء: أهل الحجاز وأسد يقولون: " إسوة " بالكسر، وتميم وبعض قيس يقولون: " أسوة " بالضم. وخص الله [تعالى] بهذه الأسوة المؤمنين، فقال: (لمن كان يرجو الله واليوم الآخر) والمعنى أن الأسوة برسول الله [صلى الله عليه و آله و سلم] إنما كانت لمن كان يرجو الله وفيه قولان:
أحدهما: يرجو ما عنده من الثواب والنعيم، قاله ابن عباس.
والثاني: يخشى الله [عز و جل] ويخشى البعث، قاله مقاتل.