وقرأ أبي بن كعب، ومجاهد وأبو الجوزاء: ثم سوءلوا " برفع السين ومد الواو بهمزة مكسورة بعدها.
وقرأ الحسن، وأبو الأشهب: " ثم سولوا " برفع السين وسكون الواو من غير مد ولا همز. وقرأ الأعمش، وعاصم الجحدري: " ثم سيلوا " بكسر السين ساكنة الياء من غير همز ولا واو. ومعنى:
" سئلوا الفتنة "، سئلوا فعلها، والفتنة: الشرك، (لآتوها) قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر:
" لآتوها " بالقصر، أي: لقصدوها، ولفعلوها. وقرأ عاصم، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي:
" لآتوها " بالمد، لأعطوها. قال ابن عباس في معنى الآية لو أن الأحزاب دخلوا المدينة ثم أمروهم بالشرك لأشركوا.
قوله تعالى: (وما تلبثوا بها إلا يسيرا) فيه قولان:
أحدهما: وما احتبسوا عن الإجابة إلى الكفر إلا قليلا، قاله قتادة.
والثاني: وما تلبثوا بالمدينة بعد الإجابة إلا يسيرا حتى يعذبوا، قاله السدي، وحكى أبو سليمان الدمشقي في الآية قولا عجيبا، وهو أن الفتنة هاهنا: الحرب، والمعنى: ولو دخلت المدينة على أهلها من أقطارها، ثم سئل هؤلاء المنافقون الحرب لأتوها مبادرين، وما تلبثوا - يعني الجيوش الداخلة عليهم بها - إلا قليلا حتى يخرجوهم منها، وإنما منعهم من القتال معك ما قد تداخلهم من الشك في دينك، قال وهذا المعنى حفظته من كتاب الواقدي.
قوله تعالى: (ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل) في وقت معاهدتهم ثلاثة أقوال:
أحدها: أنهم ناس غابوا عن وقعة بدر، فلما علموا ما أعطى الله [عز وجل] أهل بدر من الكرامة قالوا: لئن شهدنا قتالا لنقاتلن، قاله قتادة.
والثاني: أنهم أهل العقبة، وهم سبعون رجلا بايعوا رسول الله [صلى الله عليه وسلم] على طاعة الله [تعالى] ونصرة رسوله، قاله مقاتل.
والثالث: أنه لما نزل بالمسلمين يوم أحد ما نزل، عاهد الله [تعالى] معتب بن قشير وثعلبة ابن حاطب: لا نولي دبرا قط، فلما كان يوم الأحزاب نافقا، قاله الواقدي، واختاره أبو سليمان الدمشقي، وهو أليق مما قبله. وإذا كان الكلام في حق المنافقين، فكيف يطلق القول على أهل العقبة كلهم!
قوله تعالى: (وكان عهد الله مسؤولا) أي: يسألون عنه في الآخرة.
ثم أخبر أن الفرار لا يزيد في آجالهم، فقال: (قل لن ينفعك الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذا لا تمتعون) بعد الفرار في الدنيا (إلا قليلا) وهو باقي آجالكم.