قوله تعالى: (فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر) فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: فمنهم من مات، ومنهم من ينتظر الموت، قاله ابن عباس و والثاني: فمنهم من قضى عهده قتل أو عاش. ومنهم من ينتظر أن يقضيه بقتال أو لقاء، قاله مجاهد.
والثالث: فمنهم من قضى نذره الذي كان نذر، قاله أبو عبيدة. فيكون النحب على القول الأول: الأجل، وعلى الثاني: العهد، وعلى الثالث: النذر. وقال ابن قتيبة: " قضى نحبه " أي: قتل، وأصل النحب: النذر، كأن قوما نذورا أنهم إن لقوا العدو قاتلوا حتى يقتلوا أو يفتح الله عليهم، فقتلوا، فقيل: فلان قضى نحبه، أي: قتل فاستعير النحب مكان الأجل، لأن الأجل وقع بالنحب، وكان النحب سببا له، ومنه قيل: للعطية: " من "، لأن من أعطى فقد من.
قال ابن عباس: ممن قضى نحبه: حمزة بن عبد المطلب، وأنس بن النضر وأصحابه. وقال ابن إسحاق: " فمنهم من قضى نحبه " من استشهد يوم بدر وأحد، " ومنهم من ينتظر " ما وعد الله من نصره، أو الشهادة على ما مضى عليه أصحابه (وما بدلوا) أي: ما غيروا العهد الذي عاهدوا ربهم عليه كما غير المنافقون.
قوله تعالى: (ليجزي الله الصادقين بصدقهم) وهم المؤمنون الذين صدقوا فيما عاهدوا الله تعالى عليه (ويعذب المنافقين) بنقض العهد (إن شاء) وهو أن يميتهم على نفاقهم (أو يتوب عليهم) في الدنيا، فيخرجهم من النفاق إلى الإيمان، فيغفر لهم.
(ورد الله الذين كفروا) يعني الأحزاب، صدهم ومنعهم عن الظفر بالمسلمين (بغيظهم) أي: لم يشف صدورهم بنيل ما أرادوا (لم ينالوا خيرا) أي: لم يظفروا بالمسلمين، وكان ذلك عندهم خيرا، فخوطبوا على استعمالهم (وكفى الله المؤمنين القتال) بالريح والملائكة، (وأنزل الذين ظاهروهم) أي: عاونوا الأحزاب، وهم بنو قريظة، وذلك أنهم نقضوا ما بينهم وبين رسول الله [صلى الله عليه وسلم] من العهد، وصاروا مع المشركين يدا واحدة.
وهذه الإشارة إلى قصتهم ذكر أهل العلم بالسيرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انصرف من الخندق وضع عنه اللأمة واغتسل، فتبدى له جبريل، فقال: ألا أراك وضعت اللأمة، وما وضعت الملائكة سلاحها منذ أربعين ليلة؟!
إن الله [عز وجل] يأمرك أن تسير إلى بني قريظة فإني عامد إليهم فمزلزل بهم حصونهم، فدعا عليا [رضي الله عنه] فدفع لواءه إليه، وبعث بلالا فنادى في الناس: إن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يأمركم أن