أن لا يجدوا بدا، فيأتون ليرى الناس وجوههم، فإذا غفل عنهم عادوا إلى المدينة، فنزلت هذه الآية، قاله ابن السائب.
والمعوق: المثبط، تقول: عاقني فلان، واعتاقني، وعوقني: إذا منعك عن الوجه الذي تريده. وكان المنافقون يعوقون عن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] نصاره.
قوله تعالى: (والقائلين لإخوانهم هلم إلينا) فيهم ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه المنافق الذي قال لأخيه ما ذكرناه في قول ابن زيد.
والثاني: أنهم اليهود دعوا إخوانهم من المنافقين إلى ترك القتال، قاله مقاتل.
والثالث: أنهم المنافقون دعوا المسلمين إليهم عن رسول الله [صلى الله عليه و آله و سلم]، حكاه الماوردي.
قوله تعالى: (و لا يأتون البأس) أي: لا يحضرون القتال في سبيل الله [عز وجل] (إلا قليلا) للرياء والسمعة من غير احتساب، ولو كان ذلك الله [عز وجل] لكان كثيرا.
قوله تعالى: (أشحة عليكم) قال الزجاج: هو منصوب على الحال. المعنى: لا يأتون الحرب إلا تعذيرا، بخلاء عليكم.
وللمفسرين فيما شحوا به أربعة أقوال:
أحدها: أشحة بالخير، قاله مجاهد.
والثاني: بالنفقة في سبيل الله [عز و جل].
والثالث: بالغنيمة، رويا عن قتادة. وقال الزجاج: بالظفر والغنيمة.
والرابع: بالقتال معكم، حكاه الماوردي.
ثم أخبر عن جبنهم فقال: (فإذا جاء الخوف) أي: إذا حضر القتال (رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه) من الموت أي: كدوران عين الذي يغشى عليه من الموت، وهو الذي دنا موته وغشيته أسبابه، فإنه يخاف ويذهل عقله ويشخص بصره فلا يطرف، فكذلك هؤلاء، لأنهم يخافون القتل.
(فإذا ذهب الخوف سلقوكم) قال الفراء: يقول آذوكم بالكلام في الأمن (بألسنة حداد) سليطة ذربة، والعرب تقول: صلقوكم، بالصاد، ولا يجوز في القراءة، هذا قول الفراء. وقد قرأ بالصاد أبي بن كعب، وأبو الجوزاء، وأبو عمران الجوني، وابن أبي عبلة في آخرين وقال الزجاج: معنى " سلقوكم ": خاطبوكم أشد مخاطبة وأبلغها في الغنيمة، يقال: خطيب مسلاق:
إذا كان بليغا في خطبته (أشحة على الخير) أي: خاطبوكم وهم أشحة على المال والغنيمة. قال قتادة: إذا كان وقت قسمة الغنيمة، بسطوا ألسنتهم فيكم، يقولون: أعطونا فلستم أحق بها منا،