قوله تعالى: (وإذ أخذنا) المعنى: واذكر إذا أخذنا (من النبيين ميثاقهم) أي:
عهدهم، وفيه قولان:
أحدهما: أخذ ميثاق النبيين: أن يصدق بعضهم بعضا، قاله قتادة.
والثاني: أن يعبدوا الله [تعالى] ويدعوا إلى عبادته، ويصدق بعضهم بعضا، وأن ينصحوا لقومهم، قاله مقاتل.
وهذا الميثاق أخذ منهم حين أخرجوا من ظهر آدم كالذر. قال أبي بن كعب: لما أخذ ميثاق الخلق خص النبيين بميثاق آخر.
فإن قيل: لم خص الأنبياء الخمسة بالذكر دون غيرهم من الأنبياء؟ فالجواب: أنه نبه بذلك على فضلهم، لأنهم أصحاب الكتب والشرائع، وقدم نبينا صلى الله عليه و آله و سلم بيانا لفضله عليهم. قال قتادة: كان نبينا أول النبيين في الخلق. و قوله: (ميثاقا غليظا) أي: شديدا على الوفاء بما حملوا. وذكر المفسرون أن ذلك العهد الشديد: اليمين بالله عز وجل (ليسأل الصادقين) يقول: أخذنا ميثاقهم لكي نسأل الصادقين، وهم الأنبياء (عن صدقهم) في تبليغهم. ومعنى سؤال الأنبياء - وهو يعلم صدقهم - تبكيت مكذبيهم. وهاهنا تم الكلام. ثم أخبر بعد ذلك عما أعد للكافرين بالرسل.
قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذا جاءتكم جنود) وهم الذين تحزبوا على رسول الله [صلى الله عليه و آله وسلم] أيام الخندق.
الإشارة إلى القصة ذكر أهل العلم بالسيرة أن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم لما أجلي بني النضير، ساروا إلى خيبر، فخرج نفر من أشرافهم إلى مكة فألبوا قريشا ودعوهم إلى الخروج لقتاله، ثم خرجوا من عندهم فأتوا غطفان وسليم، ففارقوهم على مثل ذلك. وتجهزت قريش ومن تبعهم من العرب، فكانوا أربعة آلاف، وخرجوا يقودهم أبو سفيان، ووافتهم بنو سليم ب " مر الظهران "، وخرجت بنو أسد، وفزارة، وأشجع، وبنو مرة، فكان جميع من وافى الخندق من القبائل عشرة آلاف، وهم الأحزاب، فلما بلغ رسول الله [صلى الله عليه و آله وسلم] خروجهم من مكة، أخبر الناس خبرهم، وشاورهم، فأشار سلمان بالخندق، فأعجب ذلك المسلمين، وعسكر بهم رسول الله [صلى الله عليه و آله وسلم] إلى سفح " سلع "، وجعل سلعا خلف ظهره، ودس أبو سفيان بن حرب حيي بن أخطب إلى بني قريظة يسألهم أن ينقضوا العهد الذي بينهم وبين رسول الله [صلى الله عليه و آله وسلم] ويكونوا معهم عليه، فأجابوا، واشتد الخوف، وعظم البلاء، ثم جرت بينهم مناوشة وقتال، وحصر رسول الله [صلى الله عليه و آله وسلم] و أصحابه بضع عشرة ليلة حتى