وليس يقع هذا التمانع من المماسة إلا للتحيز والشغل ألا ترى أن العرض الموجود بالمكان إذا لم يكن له حيز وشغل لم يمنع وجوده من وجود غيره من الأعراض في موضعه وإذا ثبت ذلك وجب أن تكون سائر الأبعاض المجتمعة ذا حيز وشغل وما هذه سبيله فلا بد أن يكون حاملا للأعراض ومن جنس الجواهر والأجسام فلما لم يجز أن يكون القديم سبحانه من جنس شيء من المخلوقات لأنه لو كان كذلك لسد مسد المخلوق وناب منابه واستحق من الوصف لنفسه ما يستحقه ما هو مثله لنفسه فلما لم يجب أن يكون القديم سبحانه محدثا والمحدث قديما ثبت أنه لا يجوز أن يكون القديم سبحانه مؤتلفا مجتمعا.
ويدل على ذلك أيضا أنه لو كان القديم سبحانه ذا أبعاض مجتمعة لوجب أن تكون أبعاضه قائمة بأنفسها ومحتملة للصفات ولم يخل كل بعض منها من أن يكون عالما قادرا حيا أو غير حي ولا عالم ولا قادر فإن كان واحد منها فقط هو الحي العالم القادر دون سائرها وجب أن يكون ذلك البعض منه هو الإله المعبود المستوجب للشكر دون غيره وهذا يوجب أن تكون العبادة والشكر واجبين لبعض القديم دون جميعه وهذا كفر من قول الأمة كافة وإن كانت سائر أبعاضه عالمة حية قادرة وجب جواز تفرد كل شيء منها بفعل غير فعل صاحبه وأن يكون كل واحد منها