ذكرتموه فوجب حمل الخبر على العموم يقال لهم: هذه الدعوى كذب لأنه لو كان الذي أخبركم عن هذه الضرورة الواقعة بقصد موسى عن سلفكم أهل تواتر وكذلك من قبلهم إلى القوم الذين شاهدوا موسى وهم أهل تواتر قد اضطروا إلى ما أخبروا عنه لوجبت لنا الضرورة بأن موسى صلى الله عليه وسلم قد وقف على ذلك وأراده وثبت أنه من دينه لأننا قد سمعنا الخبر كما سمعتم وعرفناه كما عرفتم فلو كان من التوقيف والتأكيد ما وصفتم وقد نقله أهل الحجة لعلمنا ذلك ضرورة كما علمنا وجود موسى عليه السلام ضرورة لما نقل وجوده ومشاهدته قوم هم حجة إلى مثلهم إلى من سمعناه وكذلك سبيل وجوب العلم بكل أمر تواتر الخبر عنه واستوى فيه طرفا الخبر ووسطه وفي رجوعنا إلى أنفسنا ووجودنا إياها غير عالمة بذلك في جملة ولا في تفصيل فضلا عن أن تكون مضطرة دليل على كذبهم في هذه الدعوى.
فإن قالوا: لو لم تكن هذه الضرورة صحيحة ثابتة لكانت اليهود اليوم كاذبة في قولهم إنهم مضطرون إلى العلم بصحة هذه الضرورة التي أخبرهم بحصولها سلفهم وكذلك أيضا سلفهم قد كذبوا وسلف سلفهم في دعواهم العلم بهذه الضرورة وكذبوا في نقلها وفي الإخبار عنها ولو جاز ذلك عليهم لجاز أن يكون كل ما نقلوه كذبا ولجاز مثل ذلك على سائر الأمم وعلى نقلة البلدان والأمصار وهذا يبطل التواتر رأسا.