الدليل على ذلك نقل اليهود خلفا عن سلف وهم قوم بهم تقوم الحجة لما هم عليه من كثرة العدد وتفرق الدواعي والهمم وتباين الأوطان وتباعد الديار واختلاف المذاهب والكذب ممتنع على مثلهم أن موسى عليه السلام أتى بهذه الأعلام التي ذكرناها فوجب العلم بصحتها يقال لهم: أليس قد أنكر جميع من قدمنا ذكره من المجوس والبراهمة وغيرهم صحة ما نقله أسلافكم وأخلافكم فكيف يكون النقل موجبا للعلم مع إنكار من أنكره وطعن من طعن فيه.
فإن قالوا: إذا استوى أول الخبر وطرفاه من آخره ووسطه ثبتت صحته ووجب العلم بصدق نقلته وإن خالف في ذلك مخالفون. يقال لهم: ما أنكرتم أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم نبيا وأن يكون ما أثبته المسلمون من أعلامه صحيحا بنقل من نقل ذلك من المسلمين؟ وذلك أن المسلمين في وقتنا هذا قوم ببعضهم يثبت التواتر وتقوم الحجة وقد نقلوا خلفا عن سلف مع كثرة عددهم وتنافر طباعهم وتباين أغراضهم ودواعيهم واختلاف آرائهم ومذاهبهم وتفرق أوطانهم وامتناع جواز الكذب على مثلهم أن محمدا صلى الله عليه وسلم أتى بالأعلام الباهرة والبراهين اللائحة فمنها ما قد أطبقوا جميعا وسائر أهل الملل على نقله والعلم به كالقرآن ومنها ما أخبرت الحجة من المسلمين أنها أخذته عن حجة والحجة عن مثلها حتى ينتهي ذلك إلى قوم نقلوه بحضرة جماعة الصحابة