فتأويل الكلام: فأثار الله للقاتل إذ لم يدر ما يصنع بأخيه المقتول غرابا يبحث في الأرض، يقول: يحفر في الأرض، فيثير ترابها ليريه كيف يواري سوءة أخيه، يقول: ليريه كيف يواري جيفة أخيه. وقد يحتمل أن يكون عنى بالسوأة الفرج، غير أن الأغلب من معناه ما ذكرت من الجيفة، وبذلك جاء تأويل أهل التأويل. وفي ذلك محذوف ترك ذكره، استغناء بدلالة ما ذكر منه، وهو: فأراه بأن بحث في الأرض لغراب آخر ميت، فواراه فيها، فقال القاتل أخاه حينئذ: يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب الذي وارى الغراب الآخر الميت فأواري سوأة أخي؟ فواراه حينئذ فأصبح من النادمين على ما فرط منه من معصية الله عز ذكره في قتله أخاه. وكل ما ذكر الله عز وجل في هذه الآيات، مثل ضربه الله لبني آدم، وحرض به المؤمنين من أصحاب رسول الله (ص) على استعمال العفو والصفح عن اليهود، الذين كانوا هموا بقتل النبي (ص)، وقتلهم من بني النضير، إذ أتوهم يستعينونهم في دية قتلي عمرو بن أمية الضمري، وعرفهم عز وجل رداءة سجية أوائلهم وسوء استقامتهم على منهج الحق مع كثرة أياديه وآلائه عندهم، وضرب مثلهم في عدوهم ومثل المؤمنين في الوفاء لهم والعفو عنهم بابني آدم المقربين قرابينهما اللذين ذكرهما الله في هذه الآيات. ثم ذلك مثل لهم على التأسي بالفاضل منهما دون الطالح، وبذلك جاء الخبر عن رسول الله (ص).
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، قال:
قلت لبكر بن عبد الله: أما بلغك أن نبي الله (ص) قال: إن الله عز وجل ضرب لكم ابني آدم مثلا، فخذوا خيرهما ودعوا شرهما؟ قال: بلى.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق،، قال: أخبرنا معمر، عن الحسن، قال: قال رسول الله (ص): إن ابني آدم ضربا مثلا لهذه الأمة فخذوا بالخير منهما.
حدثنا المثنى، قال: ثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن عاصم الأحول، عن الحسن قال: قال رسول الله (ص): إن الله ضرب لكم ابني آدم مثلا، فخذوا من خيرهم ودعوا الشر. القول في تأويل قوله تعالى: *