رسوله، أنه لله رسول مرسل إليكم وإلى سائر الأمم قبلكم. * (والكتاب الذي نزل على رسوله) * يقول: وصدقوا بما جاءكم به محمد من الكتاب الذي نزله الله عليه، وذلك القرآن. * (والكتاب الذي أنزل من قبل) * يقول: وآمنوا بالكتاب الذي أنزل الله من قبل الكتاب الذي نزله على محمد (ص) وهو التوراة والإنجيل.
فإن قال قائل: وما وجه دعاء هؤلاء إلى الايمان بالله ورسوله وكتبه وقد سماهم مؤمنين؟ قيل: إنه جل ثناؤه لم يسمهم مؤمنين، وإنما وصفهم بأنهم آمنوا، وذلك وصف لهم بخصوص من التصديق، وذلك أنهم كانوا صنفين: أهل توراة مصدقين بها وبمن جاء بها، وهم مكذبون بالإنجيل والقرآن وعيسى ومحمد صلوات الله عليهما، وصنف أهل إنجيل وهم مصدقون به وبالتوراة وسائر الكتب، مكذبون بمحمد (ص) والفرقان. فقال جل ثناؤه لهم: * (يا أيها الذين آمنوا) * يعني: بما هم به مؤمنون من الكتب والرسل، * (آمنوا بالله ورسوله) * محمد (ص)، * (والكتاب الذين نزل على رسوله) * فإنكم قد علمتم أن محمدا رسول الله تجدون صفته في كتبكم، * (وبالكتاب الذين أنزل من قبل) * الذي تزعمون أنكم به مؤمنون، فإنكم لن تكونوا به مؤمنين وأنتم بمحمد مكذبون، لان كتابكم يأمركم بالتصديق به وبما جاءكم به، فآمنوا بكتابكم في اتباعكم محمدا، وإلا فأنتم به كافرون. فهذا وجه أمرهم بالايمان بما أمرهم بالايمان به، بعد أن وصفهم بما وصفهم بقوله: * (يا أيها الذين آمنوا) *.
وأما قوله: * (ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر) * فإن معناه: ومن يكفر بمحمد (ص) فيجحد نبوته، فهو يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، لان جحود الشئ من ذلك بمعنى جحوده جميعه، وذلك لأنه لا يصح إيمان أحد من الخلق إلا بالايمان بما أمره الله بالايمان به، والكفر بشئ منه كفر بجميعه، فلذلك قال: * (ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر) * بعقب خطابه أهل الكتاب، وأمره إياهم بالايمان بمحمد (ص) تهديدا منه لهم، وهم مقرون بوحدانية الله والملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر سوى محمد (ص) وما جاء به من الفرقان. وأما قوله: * (فقد ضل ضلالا بعيدا) * فإنه يعني: فقد ذهب عن قصد السبيل، وجار عن محجة الطريق إلى المهالك ذهابا وجورا بعيدا، لان كفر من كفر بذلك خروج منه عن دين الله الذي شرعه لعباده، والخروج عن دين الله: الهلاك الذي فيه البوار، والضلال عن الهدى هو الضلال. القول في تأويل قوله تعالى: *