وأما قوله: * (وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس) * فإنه يعني: أن المنافقين لا يعملون شيئا من الأعمال التي فرضها الله على المؤمنين على وجه التقرب بها إلى الله، لأنهم غير موقنين بمعاد ولا ثواب ولا عقاب، وإنما يعملون ما عملوا من الأعمال الظاهرة بقاء على أنفسهم وحذارا من المؤمنين عليها أن يقتلوا أو يسلبوا أموالهم، فهم إذا قاموا إلى الصلاة التي هي من الفرائض الظاهرة، قاموا كسالى إليها، رياء للمؤمنين، ليحسبوهم منهم وليسوا منهم، لأنهم غير معتقدي فرضها ووجوبها عليهم، فهم في قيامهم إليها كسالى. كما:
حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: * (وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى) * قال: والله لولا الناس ما صلى المنافق ولا يصلي إلا رياء وسمعة.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: * (وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس) * قال: هم المنافقون، لولا الرياء ما صلوا.
وأما قوله: * (ولا يذكرون الله إلا قليلا) * فلعل قائلا أن يقول: وهل من ذكر الله شئ قليل؟ قيل له: إن معنى ذلك بخلاف ما إليه ذهبت، إنما معناه: ولا يذكرون الله إلا ذكرا رياء، ليدفعوا به عن أنفسهم القتل والسباء وسلب الأموال، لا ذكر موقن مصدق بتوحيد الله مخلص له الربوبية، فلذلك سماه الله قليلا، لأنه غير مقصود به الله ولا مبتغي به التقرب إلى الله، ولا مرادا به ثواب الله، وما عنده فهو وإن كثر من وجه نصب عامله، وذاكره في معنى السراب الذي له ظاهر بغير حقيقة ماء.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو أسامة، عن أبي الأشهب، قال: قرأ الحسن: * (ولا يذكرون الله إلا قليلا) * قال: إنما قل لأنه كان لغير الله.
حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: * (ولا يذكرون الله إلا قليلا) * قال: إنما قل ذكر المنافق لان الله لم يقبله، وكل ما رد الله قليل وكل ما قبل الله كثير. القول في تأويل قوله تعالى: *