وبنحو ذلك كان جماعة من الأمة الماضية يقولون تأولا منهم هذه الآية، إنه مراد بها النهي عن مشاهدة كل باطل عند خوض أهله فيه. ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا يزيد بن هارون، عن العوام بن حوشب، عن إبراهيم التيمي، عن أبي وائل، قال: إن الرجل ليتكلم بالكلمة في المجلس من الكذب ليضحك بها جلساءه، فيسخط الله عليهم. قال: فذكرت ذلك لإبراهيم النخعي، فقال: صدق أبو وائل! أو ليس ذلك في كتاب الله: * (أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم) *.
حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن إدريس، عن العلاء بن المنهال، عن هشام بن عروة، قال: أخذ عمر بن عبد العزيز قوما على شراب، فضربهم وفيهم صائم، فقالوا: إن هذا صائم! فتلا: * (فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم) *.
حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: * (أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها) * وقول: * (ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) *، وقوله: * (أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه) *، ونحو هذا من القرآن، قال: أمر الله المؤمنين بالجماعة، ونهاهم عن الاختلاف والفرقة، وأخبرهم: إنما هلك من كان قبلكم بالمراء والخصومات في دين الله.
وقوله: * (إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم) * يقول: إن الله جامع الفريقين من أهل الكفر والنفاق في القيامة في النار، فموفق بينهم في عقابه في جهنم وأليم عذابه، كما اتفقوا في الدنيا فاجتمعوا على عداوة المؤمنين وتوازروا على التخذيل عن دين الله وعن الذي ارتضاه وأمر به أهله.
واختلفت القراء في قراءة قوله: وقد نزل عليكم في الكتاب فقرأ ذلك عامة القراء بضم النون وتثقيل الزاي وتشديدها على وجه ما لم يسم فاعله. وقرأ بعض الكوفيين بفتح النون وتشديد الزاي على معنى: وقد نزل الله عليكم. وقرأ ذلك بعض المكيين: وقد نزل عليكم بفتح النون وتخفيف الزاي، بمعنى: وقد جاءكم من الله أن إذا سمعتم.