لتأويل من تأول ذلك أن الطائفة الأولى إذا سجدت مع الامام فقد انقضت صلاتها، لقوله: * (فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم) * لاحتمال ذلك من المعاني ما ذكرت قبل، ولأنه لا دلالة في الآية على أن القصر الذي ذكر في الآية قبلها عنى به القصر من عدد الركعات. وإذ كان لا وجه لذلك، فقول من قال: أريد بذلك التقدم والتأخر في الصلاة على نحو صلاة النبي (ص) بعسفان أبعد، وذلك أن الله جل ثناؤه يقول: * (ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك) * وكلتا الطائفتين قد كانت صلت مع النبي (ص) ركعته الأولى في صلاته بعسفان، ومحال أن تكون التي صلت مع النبي (ص) هي التي لم تصل معه.
فإن ظن ظان أنه أريد بقوله: * (لم يصلوا) *: لم يسجدوا، فإن ذلك غير الظاهر المفهوم من معاني الصلاة، وإنما توجه معاني كلام الله جل ثناؤه إلى الأظهر والأشهر من وجوههما ما لم يمنع من ذلك ما يجب التسليم له. وإذ كان ذلك كذلك ولم يكن في الآية أمر من الله عز ذكره للطائفة الأولى بتأخير قضاء ما بقي عليها من صلاتها إلى فراغ الامام من بقية صلاته، ولا على المسلمين الذين بإزاء العدو في اشتغالها بقضاء ذلك ضرر، لم يكن لأمرها بتأخير ذلك وانصرافها قبل قضاء باقي صلاتها عن موضعها معنى. غير أن الامر وإن كان كذلك، فإنا نرى أن من صلاها من الأئمة فوافقت صلاته بعض الوجوه التي ذكرناها عن رسول الله (ص) أنه صلاها، فصلاته مجزئة عنه تامة لصحة الاخبار بكل ذلك عن رسول الله (ص)، وأنه من الأمور التي علم رسول الله (ص) أمته ثم أباح لهم العمل بأي ذلك شاءوا. وأما قوله: * (ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم) * فإنه يعني: تمنى الذين كفروا بالله، لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم، يقول: لو تشتغلون بصلاتكم عن أسلحتكم التي تقاتلونهم بها، وعن أمتعتكم التي بها بلاغكم في أسفاركم فتسهون عنها. * (فيميلون عليكم ميلة واحدة) * يقول: فيحملون عليكم وأنتم مشاغيل بصلاتكم عن أسلحتكم وأمتعتكم جملة واحدة، فيصيبون منكم غرة بذلك فيقتلونكم، ويستبيحون عسكركم. يقول جل ثناؤه: فلا تفعلوا ذلك بعد هذا، فتشتغلوا جميعكم بصلاتكم إذا حضرتكم صلاتكم وأنتم مواقفو العدو، فتمكنوا عدوكم من أنفسكم وأسلحتكم وأمتعتكم ولكن أقيموا الصلاة على ما بينت لكم، وخذوا من عدوكم حذركم وأسلحتكم.