حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: * (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة) *... إلى قوله: * (فليصلوا معك) * فإنه كانت تأخذ طائفة منهم السلاح فيقبلون على العدو، والطائفة الأخرى يصلون مع الامام ركعة ثم يأخذون أسلحتهم، فيستقبلون العدو، ويرجع أصحابهم فيصلون مع الامام ركعة فيكون للامام ركعتان ولسائر الناس ركعة واحدة، ثم يقضون ركعة أخرى، وهذا تمام الصلاة.
وقال آخرون: بل نزلت هذه الآية في صلاة الخوف، والعدو يومئذ في ظهر القبلة بين المسلمين وبين القبلة، فكانت الصلاة التي صلى بهم يومئذ النبي (ص) صلاة الخوف، إذ كان العدو بين الامام والقبلة. ذكر الاخبار المنقولة بذلك:
حدثنا أبو كريب، قال: ثني يونس بن بكير، عن النضر أبي عمر، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: خرج رسول الله (ص) في غزاة، فلقي المشركين بعسفان، فلما صلى الظهر فرأوه يركع ويسجد هو وأصحابه، قال بعضهم لبعض يومئذ: كان فرصة لكم لو أغرتم عليهم ما علموا بكم حتى تواقعوهم، قال قائل منهم: فإن لهم صلاة أخرى هي أحب إليهم من أهلهم وأموالهم، فاستعدوا حتى تغيروا عليهم فيها! فأنزل الله عز وجل على نبيه عليه الصلاة والسلام: * (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة) *... إلى آخر الآية، وأعلمه ما ائتمر به المشركون. فلما صلى رسول الله (ص) العصر وكانوا قبالته في القبلة فجعل المسلمين خلفه صفين فكبر رسول الله (ص) فكبروا جميعا، ثم ركع وركعوا معه جميعا، فلما سجد سجد معه الصف الذين يلونه، وقام الصف الذين خلفهم مقبلين على العدو، فلما فرغ رسول الله (ص) من سجوده وقام، سجد الصف الثاني، ثم قاموا وتأخر الذين يلون رسول الله (ص) وتقدم الآخرون، فكانوا يلون رسول الله (ص)، فلما ركع ركعوا معه جميعا، ثم رفع فرفعوا معه، ثم سجد فسجد معه الذين يلونه، وقام الصف الثاني مقبلين على العدو، فلما فرغ رسول الله (ص) من سجوده، وقعد الذين يلونه سجد الصف المؤخر ثم قعدوا، فتشهدوا مع رسول الله (ص) جميعا، فلما سلم رسول الله (ص) سلم عليهم جميعا، فلما نظر إليهم المشركون يسجد بعضهم ويقوم بعضهم ينظر إليهم، قالوا: لقد أخبروا بما أردنا!