إذا اتصلت قالت أبكر بن وائل * وبكر سبتها والأنوف رواغم يعني بقوله: اتصلت: انتسبت. ولا وجه لهذا التأويل في هذا الموضع، لان الانتساب إلى قوم من أهل الموادعة أو العهد لو كان يوجب للمنتسبين إليهم ما لهم إذا لم يكن لهم من العهد والأمان ما لهم، لما كان رسول الله (ص) ليقاتل قريشا، وهم أنسباء السابقين الأولين. ولأهل الايمان من الحق بإيمانهم أكثر مما لأهل العهد بعهدهم، وفي قتال رسول الله (ص) مشركي قريش بتركها الدخول فيما دخل فيه أهل الايمان منهم، مع قرب أنسابهم من أنساب المؤمنين منهم، الدليل الواضح أن انتساب من لا عهد له إلى ذي العهد منهم، لم يكن موجبا له من العهد ما لذي العهد من انتسابه.
فإن ظن ذو غفلة أن قتال النبي (ص) من قاتل من أنسباء المؤمنين من مشركي قريش إنما كان بعد ما نسخ قوله: * (إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق) * فإن أهل التأويل أجمعوا على أن ذلك نسخ قراءة نزلت بعد فتح مكة ودخول قريش في الاسلام.
القول في تأويل قوله تعالى: * (أو جاؤوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم) *.
يعني جل ثناؤه بقوله: * (أو جاؤوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم) * فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم، إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق، أو: إلا الذين جاؤوكم منهم قد حصرت صدورهم عن أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم فدخلوا فيكم. ويعني بقوله: * (حصرت صدورهم) * ضاقت صدورهم عن أن يقاتلوكم أو أن يقاتلوا قومهم، والعرب تقول لكل من ضاقت نفسه عن شئ من فعل أو كلام قد حصر، ومنه الحصر في القراءة.