وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: * (أو جاؤوكم حصرت صدورهم) * يقول رجعوا فدخلوا فيكم * (حصرت صدورهم) * يقول: ضاقت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم.
وفي قوله: * (أو جاؤوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم) * متروك ترك ذكره لدلالة الكلام عليه، وذلك أن معناه: أو جاؤوكم قد حصرت صدورهم، فترك ذكر قد لان من شأن العرب فعل مثل ذلك، تقول: أتاني فلان ذهب عقله، بمعنى: قد ذهب عقله، ومسموع منهم: أصحبت نظرت إلى ذات التنانير، بمعنى: قد نظرت.
ولاضمار " قد " مع الماضي جاز وضع الماضي من الأفعال في موضع الحال، لان قد إذا دخلت معه أدنته من الحال وأشبه الأسماء. وعلى هذه القراءة، أعني: * (حصرت) * قرأ القراء في جميع الأمصار، وبها يقرأ لاجماع الحجة عليها. وقد ذكر عن الحسن البصري أنه كان يقرأ ذلك: أو جاؤوكم حصرت صدورهم نصبا، وهي صحيحة في العربية فصيحة، غير أنه غير جائز القراءة بها عندي لشذوذها وخروجها عن قراءة قراء الاسلام.
القول في تأويل قوله تعالى: * (ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا) *.
يعني جل ثناؤه: * (ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم) *: ولو شاء الله لسلط هؤلاء الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق، فيدخلون في جوارهم وذمتهم، والذين يجيئونكم قد حصرت صدورهم عن قتالكم وقتال قومهم عليكم أيها المؤمنون، فقاتلوكم مع أعدائكم من المشركين، ولكن الله تعالى ذكره كفهم عنكم. يقول جل ثناؤه:
فأطيعوا الذي أنعم عليكم بكفهم عنكم مع سائر ما أنعم به عليكم فيما أمركم به من الكف عنهم إذا وصلوا إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق، أو جاؤوكم حصرت صدورهم عن قتالكم وقتال قومهم. ثم قال جل ثناؤه: * (فإن اعتزلوكم) * يقول: فإن اعتزلكم هؤلاء الذين