أمرتكم بالكف عن قتالهم من المنافقين بدخولهم في أهل عهدكم أو مصيرهم إليكم، حصرت صدورهم عن قتالكم وقتال قومهم، فلم يقاتلوكم، * (وألقوا إليكم السلم) * يقول:
وصالحوكم. والسلم: هو الاستسلام، وإنما هذا مثل كما يقول الرجل للرجل: أعطيتك قيادي وألقيت إليك خطامي، إذا استسلم له وانقاد لامره، فكذلك قوله: * (وألقوا إليكم السلم) * إنما هو: ألقوا إليكم قيادهم واستسلموا لكم صلحا منهم لكم وسلما. ومن السلم قول الطرماح:
وذاك أن تميما غادرت سلما * للأسد كل حصان وعثة اللبد يعني بقوله سلما: استسلاما. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: * (فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم) * قال: الصلح.
وأما قوله: * (فما جعل الله لكم عليهم سبيلا) * فإنه يقول: إذا استسلم لكم هؤلاء المنافقون الذين وصف صفتهم صلحا منهم لكم، فما جعل الله لكم عليهم سبيلا: أي فلم يجعل الله لكم على أنفسهم وأموالهم وذراريهم ونسائهم طريقا إلى قتل أو سباء أو غنيمة، بإباحة منه ذلك لكم ولا إذن، فلا تعرضوا لهم في ذلك إلا سبيل خير. ثم نسخ الله جميع حكم هذه الآية والتي بعدها بقوله تعالى ذكره: * (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) *... إلى قوله: * (فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم) *. ذكر من قال في ذلك مثل الذي قلنا:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، عن الحسين، عن يزيد، عن