ووجه معناه إلى أنه يرد السلام على المسلم إذا حياه تحية أحسن من تحيته أو مثلها. وذلك أن الصحاح من الآثار عن رسول الله (ص) أنه واجب على كل مسلم رد تحية كل كافر أحسن من تحيته، وقد أمر الله برد الأحسن، والمثل في هذه الآية من غير تمييز منه بين المستوجب رد الأحسن من تحيته عليه والمردود عليه مثلها بدلالة يعلم بها صحة قول من قال: عنى برد الأحسن المسلم، وبرد المثل: أهل الكفر.
والصواب إذ لم يكن في الآية دلالة على صحة ذلك ولا بصحته أثر لازم عن الرسول (ص)، أن يكون الخيار في ذلك إلى المسلم عليه بين رد الأحسن أو المثل إلا في الموضع الذي خص شيئا من ذلك سنة من رسول الله (ص)، فيكون مسلما لها. وقد خصت السنة أهل الكفر بالنهي عن رد الأحسن من تحيتهم عليهم أو مثلها، إلا بأن يقال:
وعليكم، فلا ينبغي لاحد أن يتعدى ما حد في ذلك رسول الله (ص). فأما أهل الاسلام، فإن لمن سلم عليه منهم في الرد من الخيار ما جعل الله له من ذلك. وقد روي عن رسول الله (ص) في تأويل ذلك بنحو الذي قلنا خبر، وذلك ما:
حدثني موسى بن سهل الرملي، قال: ثنا عبد الله بن السري الأنطاكي، قال: ثنا هشام بن لاحق، عن عاصم الأحول، عن أبي عثمان النهدي، عن سلمان الفارسي، قال: جاء رجل إلى النبي (ص)، فقال: السلام عليك يا رسول الله! فقال:
وعليك ورحمة الله!. ثم جاء آخر فقال: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله! فقال له رسول الله: وعليك ورحمة الله وبركاته!. ثم جاء آخر فقال: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته! فقال له: وعليك! فقال له الرجل: يا نبي الله بأبي أنت وأمي، أتاك فلان وفلان فسلما عليك فرددت عليهما أكثر مما رددت علي؟ فقال: أنك لم تدع لنا شيئا، قال الله * (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) * فرددناها عليك.
فإن قال قائل: أفواجب رد التحية على ما أمر الله به في كتابه؟ قيل: نعم، وبه كان يقول جماعة من المتقدمين. ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن ابن جريج،